على أننا يجب ألا نذهب فى الظن إلى أن الإسلام قد غلب على جميع السودانيين، ذلك أن جغرافى العرب ومؤرخيهم، والإخباريين من أهل البلاد السودانية، يقولون إن معظم من دخلوا فى الإسلام كانوا من الملوك ووجوه الأعيان. ونحن إذا استثنينا عددا قليلا من القبائل مثل التكارنة، وجدنا أن جماهير العامة ظلوا على وثنيتهم فيما عدا أهل المدن الكبيرة.
وكان القرنان الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين هما القرنين اللذين شهدا أعظم ما أصاب الإسلام من تقدم فى السودان الغربى، وهو تقدم لا يقاس به أى تقدم آخر منذ عهد المرابطين. وكانت النزعة الصوفية التى عرفت بها طائفة تكارنة تورد به (المفرد توردو) فى تكرور العامل الأكبر فى هذه الحركة التى بدأت حوالى ١٧٢٠ م بإقامة نوع من الملكية الدينية فى فوتاجالون، وقويت شوكتها سنة ١٧٧٦ بإنشاء حكومة من هذا القبيل فى فوتاتورو نتيجة للانتصار الذى أحرزه التكارنة المسلمون على الفلبة الذين كانوا لا يزالون على وثنيتهم، مما حمل معظمهم على الدخول فى الإسلام. وقد أسلم وُلُف السنغال الأدنى شيئًا فشيئًا. وسرعان ما قام هداة بين تورد به فوتاتورو وفلبه ماسينا، أولهم عثمانو فوجو التكرورى الذى أعلن الجهاد بين النيجر وبحيرة تشاد، وأدخل فى الإسلام فريقا من الحوصة، وأنشأ إمبراطورية سوتوكو (١٨٠٢ م) وجاء بعده سيكو حمدو بَرى الفلبى الذى مكن الإسلام فى ماسينا وشيد فى هذه البلاد حاضرة سماها حمد الله (١٨١٠ م)؛ ثم ظهر الحاج عمر التكرورى. وقد حج هذا الزعيم الدينى إلى مكة (١٨٢٠) وخلع عليه فى أثناء حجه لقب خليفة التيجانية فى السودان، وبدأ سنة ١٨٣٨ يشن سلسلة من الحملات الدينية والحربية حققت له السيادة على ماندنكك (١٨٤٨)، وكآرته (١٨٥٤ م)، وسيكو (١٨٦١)، ثم ماسينا (١٨٦٢ م). وقد ترك الحاج عمر بعد وفاته سنة ١٧٦٤ إمبراطورية واسعة الأرجاء كان الإسلام فيها أشبه بالدين الرسمى، ولكن هذه الإمبراطورية انهارت أمام الغزو