نهاية عهده وقد تفكك المجتمع وتدهورت أحواله، وهذا التفكك فى المجتمع نقطة هامة جديرة بالاعتبار أفاد منها البريطانى وهو صاحب الكلمة العليا فى الحكم الثنائى، الذى قام فى نهاية القرن الماضى (وكانت مصر طرفًا ثانيًا مع بريطانيا) بوصفه إجراء إداريًا لتنظيم داخلى، اعتقد البريطانى، بعد أن أبعد فرنسا وقطع الطريق على الباب العالى أنه يستطيع أن يقيم نظامًا اجتماعيًا جديدًا يتجاوب مع سياسته. وأخذ السودان فى السير وئيدًا وفق السياسة المعينة التى رسمتها اتفاقية الحكم الثنائى، وذلك حتى الحرب العالمية الأولى التى بدأت السودان فيها الاتصال بالأسواق التجارية الخارجية، وجاءت فى نهايتها ثورة مصر التى كان لها أصداؤها فى السودان. فقد استيقظ الوعى القومى للمطالبة بحقوقه، وزاد من حدة تلك اليقظة الرخاء الذى حل فى سنة ١٩٢٠ م. وكانت مفاوضات زغلول مكدونالد فى عام ١٩٢٤, ومقتل السير لى ستاك (باشا) حاكم السودان وسردار الجيش المصرى، فخرج الجيش المصرى من السودان تحت ضغط الإنجليز -وافتتح مشروع الجزيرة لزراعة القطن، غير أن المحصول الذى بدأ جيدًا فى سنواته الأولى أخذ فى التدهور عامًا بعد عام بسبب أخطاء فنية لم يكن من السهل تجنبها إلا بمضى عدة سنوات- وحاولت إدارة السودان علاج الموقف بإدخال إصلاحات إدارية (اللامركزية) وصدر قانون المشايخ وسلطات المجالس الأهلية وتقوية الزعامات، وكانت هنالك مشروعات أبعد مدى لخفض الجهاز الإدارى إلى أدنى حدوده. وتغيير الوضع السياسى للبلاد، غير أن مطامع إيطاليا الفاشية وتطلعها إلى التوسع فى شرقى إفريقية قد جعل الإنجليز يتراجعون خطوتين بعد أن تحدد اليوم المعين لذلك الإجراء وأخذ موقف الإنجليز ينقلب رأسًا على عقب باتخاذ الإيطاليين الوسائل لتنفيذ خططهم فى إفريقية، وبدأت تتجمع سحب الخطر التى هددت السودان بطريق غير مباشر فيما لو انفرد به الإنجليز فى الموعد الذى حددوه،