الأحيان قد حدت من كبرها أسماء الخلفاء الأربعة الراشدين التى نقشت فى وضوح وجزالة (نقشها الخطاط تكنجى زاده إبراهيم أفندي، انظر حديقة الجوامع، جـ ١، ص ٤). وهناك منبر رائع يرجع تاريخه إلى تلك الأيام، ومن المعروف أيضا أن أحمد الثالث هو الذى أقام لجلوس السلطان "المقصورة" فى الجانب الشمالى من المحراب الرئيسي، وأضاف محمود الأول (١٧٣٠ - ١٧٥٤) شرفة السلطان الكبيرة المكشوفة بالطابق الأول فى الرواقء كما أقام نافورة فائقة الحسن ومدرسة (وكلتاهما فى الفناء على الجانب الجنوبى)، وقاعة كبيرة للطعام (عمارت) إلى الشمال، وأهم من ذلك كله المكتبة الثمينة التى أقامها فى المسجد نفسه، وإن كان ثمة شاهد لا شك فيه على أن هذه المكتبة شيدت فوق أساس قديم كان قائمًا فى المسجد من قبل. وكل هذه المنشآت تعد جزء، لا يتجزأ من بيوت الله فى المشرق.
ونحن نلمس منذ أيام مراد الرابع فاتح بغداد، إهمالا محسوسًا فى صيانة المسجد اقترن بالاضمحلال العام الذى حل بالإمبراطورية العثمانية. وقد عهد السلطان عبد المجيد سنة ١٨٤٧ إلى إخوان فوسّاتى المهندسين المعماريين الايطاليين بتجديد البناء تحاشيا لانهيار بعض اْجزائه المهددة بالسقوط وإكسابا للبناء كله رونقًا أكثر جلالا. واستغرق العمل سنتين، وأبقى الطلاء الجيرى على الأماكن التى تصور الإنسان فحسب، أما فيما عدا ذلك فقد كشف عن الحوائط فتجلت واستردت بهاءها القديم. ويرجع إلى تلك الأيام الطلاء المخطط بالأحمر والأصفر على الحائط الخارجي. والطريقة التى عبر بها هذا السلطان عن إكباره لمآثر أجداده جديرة بالتسجيل، ذلك أنه أصلح جميع المآذن فيما عدا مئذنة محمد الثانى الذى وجه إلى الإمبراطورية البوزنطية الضربة الحاسمة القاضية. على أن المهندسين المعماريين الإيطاليين قد سمح لهم آخر الأمر بتعليتها حتى تصبح فى ارتفاع أخواتها. أما اللوحات المستديرة الثمانى التى نقشها الخطاط مصطفى عزت أفندى فقد أقيمت فى آيا صوفيا على عهد السلطان عبد المجيد.