باعتبار السودان أرضًا مصرية، ووقع وفاق سنة ١٨٩٩ الذى وضعت فيه الأسس الخاصة بإدارة السودان. وهذا الوفاق موضع جدل كبير بين رجال القانون وغيرهم؛ فمنهم من يقول بصحته ومنهم من يعارض فيه وينادى ببطلانه، ولكل فريق منهما حججه. وكل هذا لا يهمنا فى هذا الموقف فهو لا يغير الحقيقة القائمة باعتبار وفاق سنة ١٨٩٩ أساسًا قامت عليه الإدارة الجديدة فى السودان وخرج منه الإنجليز بنصيب الأسد، ودفعت مصر التكاليف لإعادة بناء السودان ومرافقه العامة كالسكك الحديدية والتعمير والزراعة وغير ذلك، وكانت إدارة السودان ترجع فى أمورها إلى مصر حتى عام ١٩١٠ م، ثم أنشئ مجلس الحاكم العام الذى صارت فى يده السلطات العليا. وكانت هذه أولى المراحل فى تطور مركز السودان السياسى بالنسبة لمصر. وجاءت الحرب العالمية الأولى فتعطل تنفيذ السياسة الموضوعة التى كانت تهدف إلى إقامة إدارات محلية فى يد الزعامات والرئاسات القبلية؛ وتحدد الموقف بعض الشئ فيما يختص بالعملة المصرية المتداولة فى السودان. وحدثت ثورة مصر سنة ١٩١٩ م وامتدت انعكاساتها إلى السودان الذى طالب أهله بحقوقهم. وجاءت لجنة ملنر فوضعت الخطوط العريضة لشئون البلاد وتعريفها فى إطار السياسة العامة الموضوعة. وحدثت أزمة الدستور المصرى الذى ورد فيه "السودان" ودخلت مصر وإنجلترا فى حلقة المفاوضات المفرغة؛ وحدث مقتل السردار ستاك باشا فى القاهرة سنة ١٩٢٤ م وترتب عليه الإنذار البريطانى الذى شمل طلب خروج الجيش المصرى من السودان، والتعويض عن مقتل السردار، وإطلاق يد السودان فى التوسع الزراعى فى الجزيرة؛ وأنشئت قوة دفاع السودان وأسهمت مصر فى تكاليفها بمبلغ ٧٥٠.٠٠٠ ج سنويًا، وعقدت اتفاقية مياه النيل سنة ١٩٢٩ م وسارت إدارة السودان قدمًا فى سبيل إقامة الحكم المحلى؛ وحاولت الإدارة البريطانية أن تتخذ خطوات إيجابية