نتحدث عنه. فسوق بنى قينقاع وسوق النبيط (انظر La Mecque: Lammens ص ٣٠٢، تعليق رقم ٣) كانتا بلا شك من الأسواق المحلية فى المدينة. وكان يعقد فى الحيرة على سبيل المثال سوق سنوى (انظر كتاب الأغانى، جـ ١٦ ص ٩٩، س ٨). وكان ثمة أماكن صغيرة لم تكن تعرف إلا بأسواقها، وأصبحت كلمة سوق (أو تصغيرها سويقة) جزءًا من اسم هذه الأماكن.
ومن المعروف أن المدن الأولى التى خطها العرب مثل البصرة والكوفة والفسطاط كانت مجرد معسكرات حربية كبرى على حافة الصحراء. ولم يعمل حساب للأسواق فى خطة هذه المدن الأصلية. وجاء فى الأخبار أن الشعراء كانوا يعقدون فى مربد (وهى محطة للقوافل على بعد ثلاثة أميال تقريبًا إلى الغرب من البصرة) إبان إنعقاد أسواقها الكبيرة مفاخرات بالشعر كما كانت الحال فى عكاظ. ويمكن أيضًا أن نقارن بوجه من الوجوه سوق بغداد بسوق عكاظ، وهى سوق كانت تعقد كل سنة فى موقع مدينة بغداد، (انظر الطبرى، جـ ١، ص ٢٢٣ وما بعدها). وقد قامت مدن كثيرة فى الساحات التى كانت تعقد فيها الأسواق مثل مدينة الأهواز. وتاريخ بغداد مثل طيب للسوق التى نمت حتى أصبحت مدينة. وكانت أسواق بغداد تقوم فى الأصل فى مدينة المنصور المدورة ولكنه أقام لها ضاحية الكرج الجنوبية. وقد سنت فى عهد اليعقوبى بالفعل (٢٧٨ هـ = ٨٩١ م) سنة تقسيم التجارات أقسامًا محددة مستقلة برأسها كما هى الحال فى المشرق حتى الآن. وكان لكل تجارة سوقها الخاصة التى تحمل اسمها (أو اسم منشئ السوق مثل سوق عبد الواحد). وكان فى سوق الوارقين نيف ومائة دكان لبيع الكتب. فلما ازدهرت المدينة الشرقية أصبح سوق الثلاثاء، على نهر المصلى، مركزا للتجارة. ويقول أبو الفداء: (Geographie باريس ١٨٤٠ م ص ٥٩٢) إن هذه السوق يرجع تاريخها إلى ما قبل تشييد مدينة بغداد، وكانت تعقد فى أول الأمر مرة فى الشهر يوم الثلاثاء. وقد امتدت سوق الثلاثاء فى زمن ابن بطوطة (٧٢٧ هـ = ١٣٢٧ م)