وكان ما تتيحه الأسواق لمركز تجارى كمكة من تيسير منتظم لأسباب المواصلات شأنا عظيمًا بالنسبة لها. وقد كانت هذه الأسواق خارج منازل قريش إلا أنها استطاعت أن تفيد من هذه الأسواق المجاورة لها أكبر الفائدة، وانتهى بها الأمر إلى إدخالها فى نطاق التجارة بمدينتها الخاصة. ومن هنا قل شأن هذه الأسواق شيئًا فشيئا. وقد ذكرت الروايات أن أول مرة لم يقيض لسوق عكاظ الانعقاد فيها كانت سنة ١٢٩ هـ (٧٤٦ - ٧٤٧ م) عندما احتل الخوارج بزعامة أبى حمزة المختار بن عوف الأزدى مدينة مكة (الأزرقى، طبعة فستنفلد، ص ١٣١). على أن الثابت أنه حدث قبل ذلك بوقت طويل، بعد أن أبطل الإسلام الأشهر الحرم، أن ازدادت مخاطر الطرق زيادة جعلت زوار السوق يخشون على حياتهم وأموالهم. وقد دفعت فتوح المسلمين بصفة خاصة العرب إلى بلاد قاصية فيما وراء حدود شبه الجزيرة العربية فوجدوا فى هذه البلاد مراكز تجارية أكثر ملاءمة لهم من سوق عكاظ التى أصبحت وقتئذ بعيدة عليهم فضلا عن أنه لم يكن من الميسور لهم الوصول إليها إلا بطريق البر. وأدى غزو العراق إلى فتح طريق مباشر إلى الهند، ومن ثم تجنبت التجارة الطريق الدائرى الذى يجتاز صحراء العرب.
ولم تكن مواسم الحج هى الأسواق الوحيدة فى ذلك العهد المتقدم. ذلك أننا نجد فى الأثبات الخاصة بأسواق العرب ذكرًا لأربع عشرة سوقًا أخرى تدخل فيها دائمًا سوق عكاظ، على أن هذه الأسواق تختلف عنها كل الاختلاف. ويقال إن نظامها كان فى بعض الأحيان يجرى على أن تتلو السوق منها الأخرى وأنه كان من الميسور زيارة سوق أو سوقين فى كل شهر (انظر على سبيل المثال شيخو: المشرق، جـ ١٩، سنة ١٩٢١, ص ٤٤٦). ومهما يكن من شئ فإنه كانت تقوم علاوة على أسواق الحجاز أنواع أخرى من الأسواق المحلية كان لها شأنها المحلى. وكلمة سوق ترادف فى مدلوها كلمة Market الإنجليزية. ولذلك يصعب علينا فى الحالات الخاصة أن نحدد على وجه الدقة أى نوع من الأنواع يجب أن