للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسلافه فيما يظهر فلم يهمل استخدام الشعر فى تكملة مصادره حتى أخذ عليه أنه جمع عددًا من الأبيات المنحولة، ويمهد لرواية حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بتعليقات وافرة فى الأنساب والشواهد القديمة. وصفوة القول إننا إذا قارنا ابن اسحاق بمن سبقه من الكتاب وجدنا أنه يتصف بصفة المؤرخ الحق وتتمثل فيه الصورة الأخيرة للمزج بين كتابة التراجم على النحو الدينى المأثور عن المحدثين وكتابتها على النحو التاريخى المأثور. وهذا الطابع الأصيل الذاتى الذى يتميز به مؤلف ابن إسحاق هو الذى يفسر العداوة بين مذاهب الرواة ويبرر فى الوقت نفسه النجاح العظيم الذى لقيه على مدى الأجيال، وهو نجاح لم يحمل فحسب ما سبقه من الكتب التى من نوعه وبعض الكتب التى التزمت ما جاء به التزامًا كبيرًا (مثل مغازى أبى يحيى ابن سعيد بن إبان والمتوفى سنة ١٩٤ هـ) بل جعل له أيضا الأثر الحاسم فى تطور السيرة فى المستقبل. وبقيت لنا من سيرة ابن إسحاق، علاوة على رواية ابن هشام لها، نقول لأغلب أجزائها وردت فى كتابى الطبرى الكبيرين التاريخ والتفسير؛ وقد أصبحت سيرة ابن اسحاق بفضل رواية هذين الكاتبين المصدر الأساسى لكتاب التاريخ المتأخرين.

وثمة كاتب آخر واحد يقف إلى جانب ابن إسحق على قدم المساواة أو يكاد، نعنى به محمد بن عمر الواقدى (١٣٠ - ٢٠٧ هـ) الذى وصلت إلينا السيرة التى كتبها عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بوسائل ثلاث مختلفة وهى: كتاب المغازى (انظر الترجمة المختصرة التى قام بها فلهوزن، ذلك أننا لا نملك بعد للأسف نسخة كاملة من نص هذا الكتاب) الذى رواه عنه محمد بن شجاع الثلجى (١٨١ - ٢٦١ هـ)؛ ثم السيرة التى قدم بها تلميذه وكاتبه محمد بن سعد المتوفى سنة ٢٣٠ هـ كتابه هو "الطبقات" (ابن سعد، طبعة سخاو، المجلدان الأول والثانى) الذى جاء فيه علاوة على الروايات التى ترد إلى الواقدى روايات أخرى من أصل مختلف؛ ثم كتاب الطبقات نفسه. وخاصة المجلدين الثالث والرابع، فى كل ما يتصل بالصلات بين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-