سهارجة طيسفون. وقد درب عنتر نفسه عدة آلاف من الأتباع. بل إن السيرة لتصف مباريات الفرسان فى الفروسية على نطاق واسع، فى الحجاز، وفى الحيرة، وفى طيسفون، وأروعها جميعًا فى بوزنطة حيث أصاب رمح عنتر الحلقة ٤٧٦ مرة. وهذه المباريات تشبه من عدة وجوه المباريات التى كانت تعقد من هذا القبيل فى أوربا، كالقتال بالأسلحة المعلومة، والتسديد على الحلقة، وتزيين الحلبات ووضع راية على الحلقة التى يسدد إليها الرمح، وحضور السيدات والفتيات. وقد بينت أوجه الشبه هذه بطرق مختلفة أشد الاختلاف. فمن قائل، مثل دليكلوز Delechuce، إن عنتر هو المثال الذى نسج على منواله الفارس الأوربى، وإن سيرة عنتر هى الأصل الذى أخذت عنه أوربا كل أفكارها عن الفروسية؛ ومن قائل، مثل رينو Reinaud, إنه لا يرى فى السيرة إلا أفكارا وعادات ونظما تحاكى ما عند الأوربيين (Jour. AS, جـ ١، ص ١٠٢ - ١٠٥). ويذهب بعض الباحثين إلى أن هذه المسألة هى نقطة الابتداء فى دراسة أصل سيرة عنتر.
أصل السيرة: تبادر سيرة عنتر نفسها بالحديث عن نفسها وعن أصلها، وتقرر أن مصنفها هو الأصمعى، وأن ذلك كان على أيام الخليفة هارون الرشيد وفى بلاطه ببغداد، وأن الأصمعى عاش ٦٧٠ سنة، قضى منها أربعمائة سنة فى الجاهلية، وكانت له معرفة شخصية بعنتر ومعاصريه؛ وأنه أتم السيرة سنة ٤٧٣ هـ (١٠٨٠ م)، وسجل روايات من أفواه عنتر، وحمزة، وأبى طالب، وحاتم الطائى، وامرئ القيس، وهانئ بن مسعود، وحازم المكى، وعبيدة، وعمرو بن وّد، ودريد بن الصّمة، وعامر بن الطفيل؛ والحق أن لدينا قصة منتظمة عن أصل القصة. وما تردده القصة من أسماء مثل: الراوى، والناقل، والمصنف، وصاحب العبارات، والأصمعى وغيره من الأسانيد، له بالنسبة لسيرة عنتر نفس المدلول الذى للدهقانه والكتب البهلوية والأسانيد العريقة فى القدم بالنسبة للفردوسى، والمدلول الذى لأخبار القديس دنيس بالنسبة للملحمة الفرنسية. ويدخل فى باب الخيال ما ترويه سيرة عنتر من أن ثمة روايتين