بشار وأبى نواس كان مرآة للموضوعات التى تناولها الشعر الفارسى الموثوق به إلى القرن الرابع للهجرة والشواهد الباقية لنا منه تتفق اتفاقا مشهودا مع ذلك الضرب من الشعر الذى نظمه بالعربية معاصروهم مثل أبى الفتح البستى الذى كان ينظم باللغتين العربية والفارسية. جميعًا. ومنذ ذلك الوقت لم تذهب ريح الشاعر قط. ولكن فن الشعر الذى يبدو جديدًا فى بابه كل الجدة قلما استطاع أن يخلص من نهجه القديم، وأصبح الشعراء سواء كانوا من العرب أو الفرس أو من الترك أو من الأورو يجترون زادهم حتى يومنا هذا.
وقد ورد فى القرآن الكريم فى نهاية السورة السادسة والعشرين [سورة الشعراء]{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} على أن الشعراء كان لهم مقام فى الحضارة العربية، وتشهد الروايات بأن الخلفاء الراشدين كانوا راسخى القدم فى الشعر القديم خاصة عليًا فإنه قد نسبت له أبيات كثيرة الراجح أنها جميعًا موضوعة؛ ومع أنه لم يكن من الجائز أن يقال إن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] شاعر، فإنه قد استعان كل الاستعانة بعدد من الشعراء. وخاصة حسان بن ثابت الذى نظم أبياتا لاذعة فى هجاء خصوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المكيين. والطريقة التى كان يتوسل بها الشاعر فى إيصال شعره إلى معسكر أعدائه هى أن يلقنه راوية يلقيه فى حى آخر أمام مستمعين محايدين يكون لهم من المصلحة ما يدفعهم إلى ترديده على أسماع الحرب الذى قيل فيه الهجاء. أما فيما يخص فن الشاعر فإنى أميل إلى الشك فى أن القصائد القديمة كلها كانت فى الأصل قصائد كاملة. ذلك إن الشاعر فى كثير من الأحيان لا يستطيع أن يستوحى الشيطان الذى ألفه إلا جزءًا منها؛ ويقتضيه الأمر مثل زهير. أن يقضى سنة بطولها فى إكمال قصيدة واحدة أو يلجأ إلى إلقائها قبل أن تكتمل كما جاء فى القواعد التى وضعها آلوارت Ahlwardt مثلًا عن كل قصيدة.
وبين أيدينا شاهد كاف على أن كثيرا من القصائد لم تكن فى جميع العصور