فنشأته أمه بمكة نشأة تتسم برقة الحال، وقضى وقتا طويلا بين البدو، ودرس شعراء العرب القدامى دراسة جيدة (مثل زهير وامرئ القيس، وجرير وغيرهم؛ انظر كتاب الأم؛ جـ ١؛ ص ١٧٤؛ جـ ٥، ص ١١٨، ١٤٢ الخ) وقد تعلم الفقيه اللغوى الأصمعى من الشافعى الشاب أشعار بنى هذيل (انظر أيضًا كتاب الأم، جـ ٢، ص ١٦٧؛ جـ ٥، ص ١٣٣) وديوان الشنفرى؛ ودرس فى مكة الحديث والفقه على مسلم الزنجى المتوفى سنة ١٩٨ هـ, وحفظ موطأ مالك عن ظهر قلب؛ فلما أشرف على العشرين شخص إلى المدينة ليلقى مالكا ابن أنس ومكث فيها حتى توفى مالك سنة ١٧٩ هـ (٧٩٦ م)؛ ثم خدم فى اليمن؛ وهناك تورط فى دسائس العلويين فقد انحاز سرًا إلى الإمام يحيى بن عبد اللَّه الزيدى (Opkomst van het Zaiditiersche Imamaat: V.Arendonck، ص ٦٠، ٢٩٠) - وحمل أسيرًا هو وغيره من العلويين إلى الخليفة هارون الرشيد فى الرقة سنة ١٨٧ هـ (٨٠٣ م) وعفا عنه هارون، ثم توثقت صلته بالفقيه الحنفى المشهور محمد بن الحسن الشيبانى المتوفى سنة ١٨٩ هـ (٨٠٥ م) الذى كان الشافعى قد نسخ كتبه بنفسه. ولما وجد أنه لا يجسر على تحدى الشيبانى لما كان له من نفوذ فى بلاط الخليفة، رحل إلى مصر مارًا بحرّان والشام؛ واستقبل فى مصر أول الأمر استقبالا حسن أبو صفة تلميذًا لمالك. ولم يذهب إلى بغداد إلا سنة ١٩٥ هـ (٨١٠/ ٨١٩ م) وأقام فيها يتولى التدريس موفقا. ووصل نفسه هناك بعبد اللَّه ابن والى مصر الجديد عباس بن موسى؛ وعاد إلى مصر فى ٢٨ شوال سنة ١٩٨ (٢١ يونيه ٨١٤؛ الكندى؛ طبعة Guest؛ ص ١٥٤ م) ووقعت فى مصر اضطرابات حملته على المبادرة إلى الرحيل إلى مكة؛ ثم عاد منها سنة ٢٠٠ هـ (٨١٥/ ٨١٦ م) ليستقر فى مصر نهائيًا وتوفى بالفسطاط فى آخر يوم من رجب سنة ٢٠٤ هـ (٢٠ يناير سنة ٨٢٠ م) ودفن بسفح المقطم فى تربة بنى عبد الحكم؛ وكان لصلاح الدين مدرسة عظيمة فسيحة مقامة هناك (ابن جبير: الرحلة؛ ص ٤٨). وقد بنى القبة التى فوق الضريح الملك الكامل الأيوبى سنة ٦٠٨ هـ (١٢١١/ ١٢١٢ م) وكان هذا الضريح دائمًا مزارًا محببا إلى القلوب يختلف إليه الناس.