وبايع جنود الشام وأمراؤه معاوية بالخلافة فى بيت المقدس، واتخذ معاوية مقره فى دمشق، وجعلها بذلك قصبة الدولة بدلا من المدينة والكوفة، وسواء كانت هذه الخطوة منه مقصودة أو غير مقصودة، فإنها مالت بميزان الخلافة لمصلحة الشام، وأصابت سيادة البدو التى لا مبرر لها بضربة حاطمة لم يفيقوا منها قط وسوّد معاوية عرب الشام، وشغل هؤلاء فى عهد الأمويين جميع المناصب الهامة. وحاول معاوية مرتين حصار القسطنطينية، وتوفى فى أبريل سنة ٦٨٠ م بالغا من العمر خمسة وسبعين عاما.
ولم يكن بد من أن يواجه ابنه وخليفته يزيد فتنة كان أبوه بقدرته خليقا بأن يمنع نشوبها. فقد أبى الحسين بن على وعبد اللَّه بن الزبير ابن أخت عائشة زوج النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يبايعا يزيد، ولاذا بأرض مكة المحرمة. وترك الحسين هذه الأرض الحرام ليقع صريعا فى مقتلة كربلاء. وفى ١٠ أكتوبر سنة ٦٨٠ اشتبكت المدينة مع الشام وأعلن أهلها خلع يزيد. وتفاوض الفريقان مفاوضة لم تأت بنتيجة فلم يكن بد من أن يحتكما إلى السيف؛ وانتصر الشآميون فى يوم الحرّة، فساروا إلى مكة حيث كان ابن الزبير قد أعلن استقلاله بالأمر فيها، وعسكر فى المسجد الحرام، وكانت تحمى الكعبة من منجنيق الشاميين منصة من الخشب مغطاة بحشيات. وتسبب إهمال رجل من أهل مكة فى اشتعال النار فيها (نوفمبر ٨٦٣). ولما بلغت الجيش الشآمى الأخبار بوفاة يزيد (١١ نوفمبر سنة ٨٦٣) اضطر الجيش إلى الارتداد. ولم يكن يزيد بالملك التافه الشأن، ثم إنه لم يبلغ من الطغيان بقدر ما صوره أصحاب الحوليات من خصوم الأمويين. وقد واصل يزيد سياسة أبيه، وكان يرعى أرباب الفن والشعراء، كما كان هو نفسه شاعرا، وأتم التنظيم الإدارى للشام باستحداث جند قنسرين (انظر ما أسلفنا بيانه)، وأكمل رى الغوطة بحفر قناة نسبت إليه، ووصف يزيد فى Continuato Byzantina-Arabica ju cundissimus et cunctis nationibus regni