وظلت الزراعة مزدهرة. ولكن تضاءلت التجارة البحرية تضاؤلا كبيرا نتيجة لحرب العرب مع الروم. على أن سقوط إمبراطورية فارس قد فتح أبواب آسية الوسطى للشآميين ولكنهم سرعان ما جابهوا منافسة المدن التجارية فى العراق وخاصة البصرة. وفى عهد العرب خمل شأن التجارة الشآمية التى كانت نشطة غاية النشاط فى عهد يوستنيانوس. فلما استؤنفت العلاقات البحرية كانت الشعوب الغربية هى التى حققت لنفسها الفائدة منها فى أيام الحروب الصليبية. وبدأت البلدان الكبرى فى شرقى الشآم مثل: دمشق وحمص وغيرهما، تصطبغ بالصبغة الإسلامية منذ عهد المروانيين نتيجة لإلغاء الأجناد، وتعلمت الشعوب المفتوحة اللغة العربية ومع ذلك لم تتخل عن اللغة الآرمنية أو اللغة اليونانية آنئذ. وكان سكان الشام من العرب ينمون نموًا بطيئًا. ذلك أن الأوبئة، والمجاعات، والفتن، وحروبهم الخارجية كانت تحصدهم. وإذا صرفنا النظر عن فورات التعصب المحلية، لم نجد شواهد على قيام اضطهاد أو بث الدعوة الإسلامية تشجع عليهما السلطات المسئولة. فقد كانت هذه السلطات تضغط على نصارى العرب فحسب ونعنى بهم قبيلتى تنوخ وتغلب. أما بنو كلب وغيرهم من القبائل الشآمية فكانوا قد أسلموا بعد الفتح الإسلامى.
وقد تميز هذا العهد بالهدوء والتسامح مع غير المسلمين إذا قارناه بالمتاعب التى قدر لهم أن يعانوها فى ظل العباسيين وذلك على الرغم من حرمانهم فى أيام الأمويين من حقوقهم السياسية. وكانت هذه الأيام بالنسبة للعرب عهدًا ذهبيًا، أو قل إنهم كانوا فى مأدبة متصلة تعطيهم الدولة وتطعمهم. وقد أثرى زعماؤهم من استغلال الولايات وجمعوا ثروات طائلة. وشجع على نجاح مؤامرة العباسيين عجز الخلفاء المروانيين المتأخرين باستثناء هشام ومروان بن محمد بطبيعة الحال.
ثم دبت الفتن الخطيرة المتصلة بين القيسية واليمنية بعد مرج راهط، وانتهت برفض الفاتحين أن يمنحوا غير العرب حقوقهم السياسية.