انتصار عين الجرّ فى البقاع مقاومة أعدائه اليمانية الشآميين. ولما ولى مروان الخلافة فى ديسمبر سنة ٧٤٤ أخطأ بنقل قصبة الخلافة إلى حرّان (الجزيرة) فاستوحشت منه قلوب الشآميين، وأنهك قواه فى إخماد الفتن التى أثاروها أو الفتن التى أضرم نارها الخوارج، وكان العباسيون يأتمرون آنئذ بالدولة الأموية فى الخفاء واستغل أبو العباس والسفاح السخط البادى فى الشام فأعلن ولايته الخلافة فى الكوفة (نوفمبر ٧٤٩). واضطر مروان بعد هزيمته عند الزاب الأكبر (يناير ٧٥٠) إلى إخلاء الجزيرة ثم الشام من بعدها، وتخلى عنه الشآميون فالتجأ إلى مصر حيث لقى مصرعه فى بوصير فى أغسطس سنة ٧٥٠ وطورد الأمويون فى كل مكان واستؤصلت شأفتهم. ونبشت قبورهم وأذريت رفاتهم فى الرياح. وحاول الشآميون عبثا أن يستردوا ما فقدوه ورفعوا علم الأمويين الأبيض ليجهلوا به علم العباسيين الأسود، ولم يدركوا إلا بعدفوات الأوان أنهم بنظرتهم المستخفة إلى سقوط الأمويين قد أضاعوا مستقبل الشام وسيادته، ومن ثم راحوا يأملون فى ظهور السفيانى سريعا، وهو بطل وطنى ونصير الحرية الشآمية. والسفيانى، كما يدل عليه اسمه، كان فى نظرهم رجلا يخرج من أعقاب أبى سفيان، ويعيد إلى البيت الأموى عهده المجيد وأيامه السعيدة ذلك البيت الذى يخلد ذكراه اسم هذا البطل.
ولم تجد قبائل الشام بعد الفتح العربى بدا من تعلم لهجة قريش التى ارتفع حينذاك شأنها فأصبحت هى اللغة الفصحى. وقد شغلت الفتوح وإخماد الفتن التى شبت فى الولايات عرب الشام فاقتصر نشاطهم العقلى فى ظل الأمويين على الشعر وكان أهم أقطاب هذه النهضة الأدبية بعد الأخطل النصرانى يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد. وظلت الحرف والمهن الحرة كالصيرفة والتجارة وقفا على الأجناس المحكومة وتدل حركة القدريه التى بدأت فى الشام فيما يظهر، على أن عرب هذا الإقليم كانوا قد أخذوا يعنون بالمسائل الفلسفية التى جاءتهم عن طريق مواطنيهم النصارى.