ووقع تمرد بين حرسه فاضطر إلى العودة إلى الجزيرة، وكان عهده أيام محنة ابتلى بها الشآميون. ومنذ عهده بدأت معظم التشريعات المتشددة التى زعموا أنها تنسب إلى عمر بن الخطاب: كلبس غير المسلمين لباسا خاصًا وحرمانهم من اعطاء صهوة الجياد وغير ذلك.
وفى هذا العهد لم يبق فى الشام أى مسيحى من أصل عربى وكان بنو تنوخ قد قاوموا أيام الأمويين كل مساعى الحكومة للتقرب منهم على أن الخليفة المهدى (٧٧٥ - ٧٨٥ م) حملهم على الخروج من دينهم.
ويرجع إلى الخلفاء العباسيين الأوليين الفضل فى إقامة المحطات العسكرية الشآمية المعروفة بالعواصم والثغور وهى سلسلة من الحصون شيدت لوقف تقدم الغزاة الروم. وفى سنة ٩٠٦ م اعتقل رجل مثير للخواطر ادعى أنه السفيانى. وكانت محاولته آخر محاولة بذلت لإعادة الأمويين إلى الحكم. وقد خابت هذه الحركة نتيجة لجمود الشآميين المنحلين. وغزا الشام مملوك تركى هو أحمد بن طولون وكان قد آل إليه حكم مصر، متذرعا بحجة حمايتها من الروم، ثم أعلن استقلاله بالأمر فيها ولم تعمر الدولة التى أقامها إلا سنين معدودة (٨٧٥ - ٩٠٥ م) شأنها شان الدولة الإخشيدية التى كررت التجربة التى قام بها الطولونيون واجتاح القرامطة الشام فيما بين هذين العهدين وتركوا وراءهم التعاليم الإسماعيلية. ويمكن أن نقول ان الشام ضاعت سياسيا من يد العباسيين منذ العهد الطولونى، ولم يحس أحد بسلطانهم هناك إلا فترات قليلة قصيرة استردوا فيها مقاليد الحكم.
وأرادت القبائل البدوية بدورها أن تنال نصيبها من أسلاب إمبراطورية منحلة، فألفى بنو حمدان، وهم عشيرة من عشائر تغلب، أنفسهم موكلين بغزو الشام من جديد باسم الإخشْيديين وردّ تقدم الروم وأقاموا أنفسهم سادة على جنوبى الشام دون أن يخرجوا على الخلافة العباسية. وكان أشهر هؤلاء الأمراء الحمدانيين سيف الدولة الذى ظهر فى بلاطه بحلب بمظهر الراعى المتنور بلفنون والآداب (٩٤٩ - ٩٦٧