وقطعت الشام صلتها بمصر شيئًا فشيئًا، وزاد سلطان البدو الوبيل فى غمرة هذه الاضطرابات السياسية؛ وحوالى عام ١.٢٣ م مكّن بنو مرداس من قيسية بنى كلاب لأنفسهم فى حلب، واحتفظوا بها فيما خلا فترات من الزمن حتى سنة ١٠٧٩ م.
وما إن حل هذا الوقت حتى كان السلاجقة قد أفسحوا لأنفسهم مكانا فى الشام، وسقطت ولاياته فى قبضتهم واستولوا على دمشق سنة ١٠٧٥ م، وأقام لأمير سلجوقى يدعى أرتق دولة محلية فى بيت المقدس (١٠٨٦ - ١٠٨٧ م) وفى سنة ١٠٨٤ م فقد الروم أنطاكية آخر ممتلكاتهم فى الشام. وأصبحت الشام آنئذ مقسمة إلى سلطنتين سلجوقيتين، سلطنة حلب وسلطنة دمشق؛ وحكم فى حلب وحمص أمراء سلاجقة يتفاوت حظهم من الاستقلال، واتصلت الحروب بينهم جميعا. وأقام قاض رقيق الحال دولة بنى عمّار فى طرابلس. وظلت المدن الساحلية الواقعة جنوبى هذه المدينة فى يد المصريين. وفى غمرة هذا الاضطراب وذلك الاقتسام الذى حل بأرض هذه البلاد أقبلت جيوش الصليبين.
ولقد كانت العداوة الملحة التى أظهرها العباسيون لأهل الحجا من الشآميين [حسبما قيل]، والفوضى السياسية وحكم المغامرين من الترك والبربر، وكذلك الولاة الجشعون غير المثقفين كل أولئك لم يكن من الظروف المواتية لنمو الأفكار والآراء. واجتمع عدد قليل من الشعراء فى بلاط الحمدانيين والمرداسيين فى حلب. وقد شجعت رعاية سيف الدولة على إعداد "كتاب الأغانى" المعروف. ويستطيع القارئ أن يرجع إلى مواد أبى تمام، وأبى العلاء المعرى، والمتنبى الذى خرج من الكوفة ولو أنه كان شآمى التعليم والنشأة والمقدسى، وهو من أكثر الجغرافيين العرب علو قدر فى نظر الناس بحق. وبدأ أولو الأمر الذين كانوا أقل تسامحا من الأمويين وأشد منهم استفزازا للمشاعر فى تشجيع الناس على الدخول فى الإسلام. وأخذت اللغة العربية تحل فى بطء محل السريانية على لسان الشعوب المحكومة الذين بدأوا يكتبون بها. وأخذت العلوم