وأصحاب الموسوعات. وقد عنى هؤلاء بجمع المعلومات وحفظها عن ظهر قلب. ويجب أن ننوه من بين أصحاب الموسوعات بالكاتب النابه شهاب الدين بن فضل اللَّه العمرى صاحب "مسالك الأبصار" وهو مصنف ضخم تاريخى جغرافى أدبى جعل لعمال ديوان المماليك. ونذكر من بعد أبا الفداء المؤرخ الجغرافى والجغرافى شمس الدين الدمشقى المتوفى سنة ١٣٢٧ م، وهو أقل مكانة بشكل ملحوظ من سلفه المقدسى. وقد ولد الذهبى المتفنن فى علوم جمة بالعراق ولكنه عاش ومات فى دمشق (١٣٥٣ م) وكان ابن عربشاه المتوفى سنة ١٤٥٠ م وهو صاحب تاريخ تيمور وصنف الصفدى معجما كبيرا فى السير (١٢٩٦ - ١٣٨٣ م) وخلف لنا صالح بن يحيى (توفى سنة ١٤٣٦ م) صاحب "تاريخ بيروت" بكتابه هذا خير تاريخ للبنان وذيلا قيما لحوليات الدول الفرنجية. وكان ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية من أعظم الكتاب أصالة فى هذا العهد. . وقد شمل نشاطهم العقلى ميدان الدراسات الإسلامية جميعا. وكان من التوفيق العجيب الذى أصابه هذان المناظران اللذان لا تفتر لهما همة واللذان رزقا حسا مرهفا فى تبين البدع أن مجّدهما الوهابيون وأصحاب التجديد المسلمون فى يومنا هذا.
وكان رحيل الصليبيين نهاية عهد من الازدهار الاقتصادى العجيب؛ فقد عادت التجارة الشآمية إلى ما كانت عليه من ركود. على أن الحاجة قضت باستئناف العلاقات مع أوروبة شيئًا فشيئًا. وكان اضمحلال عكا وصور وطرابلس التى خربها المماليك، وسقوط مملكة قيليقية (قاليقلا) الأرمنية (١٣٤٧ م) التى شخص إليها التجار الغربيون أول الأمر، فى مصلحة بيروت، ذلك أن هذه المدينة غدت أكثر من قرن أهم ميناء فى الشام، فقد كان يزور بيروت كل عام بحكم قربها من دمشق ووقوعها قبالة قبرس -مملكة اللوزينيان وملتقى السوق الأوربية- سفن البنادقة والجنوبيين والقطلونيين والبروفنساليين والرودسيين، وكان لهذه الجاليات المختلفة من ثم قناصل يمثلونها ويعترف بهم المماليك رسميا