التالى باشوية صيداء لتشمل لبنان، وقد بقى هذا التقسيم الإدارى بمعالمه البارزة حتى منتصف القرن الثامن عشر حين نقلت قاعدة الحكم من صيداء إلى عكا.
ولم يكن ديوان إستانبول يعنى بالشام إلا بمقدار ما تتيح له أن يحرس مصر والشام ويجبى من خراجها ما يسد نفقات القصر السلطانى والحروب الخارجية وكانت الضرائب التى تطلق فى المزاد يوكل أمرها إلى من يرتبط بجباية أكبر قدر منها. وقد جاء فى تقرير أحد قناصل البندقية أن الباشوية كانت تدر ما بين ٨٠.٠٠٠ و ١٠٠.٠٠٠ بندقى (والراجح أنه كان بندقيا فضيا، وهو الكروسو عند البنادقة، ومن ثم القرش وجمعها قروش، ويساوى القرش خمسة فرنكات). وكان الباشوات يحكمون المدن الهامة وأرباضها حكما مباشرًا. أما داخل البلاد فقد ترك للإقطاعيين القدماء الذين ازداد عددهم وسلطانهم منذ عهد المماليك وهم أمراء البدو والتركمان والمتولية، والدروز والنصيرية ولم يكن الباب العالى يقتضيهم إلا الجزية أو الميرى غير حافل إذا رآهم يناضلون ممثليه. وكان الباشا التركى يخرج كل عام على رأس مدفعيته وإنكشارييه ليجبى الضرائب. وكانت هذه القوة تعيش على حساب البلاد وتخربها إذا هى قاومت فهل لنا أن نعجب بعد إذا وجدنا الزراعة وهى أهم موارد سورية تضمحل، والسكان يتناقصون. والنواحى الريفية تستصفى من أجل لبنان والأقاليم الجبلية التى كان يفزع إليها السكان المراهقون؟
وكان حرج موقف العمال الترك وعدم استقرارهم يزيدهم جشعا على جشع. وقد توالى على دمشق ١٣٣ باشا فى ١٨٠ عاما. وشهد هذا العهد قومة فخر الدين بطل الاستقلال السورى (١٥٨٣ - ١٦٣٥ م). الأمراء المتولية، وبنى حرفوش أصحاب بعلبك والبقاع وبنى منصور ابن فريح شيوخ البدو الذين شقوا لأنفسهم إقطاعا فى فلسطين وفى إقليم نابلس. وكان هؤلاء الأمراء الاقطاعيون منظمين تنظيما لا بأس به على الرغم من جشعهم، وكانوا قادرين على الدفاع عن مغانمهم ضد الترك الغاشمين. وقد تبين أن استعمار