البرتغاليين للهند وجعلهم طريق التجارة مع الشرق الأوسط يلتف حول رأس الرجاء الصالح كان خطرًا داهما أصاب سورية. واجتذبت طرابلس ثم صيداء -بفضل سبق فخر الدين إلى العمل- السفن الأوربية فكانت تشخص إليهما للتزود بالحرير والقطن. أما حلب المستودع الأكبر على الطريق المباشر المؤدى إلى الخليج الفارسى فقد ظلت ثلاثة قرون أهم مركز تجارى فى شمالى سورية بفضل موقعها بين أرض الجزيرة والبحر وولايات الأناضول التى كانت حلب سوقها.
وفى النصف الثانى من القرن الثامن عشر حدث أن لفتت فعال ثلاثة رجال الأنظار إلى مدينة عكا وإقليمها فجأة. وكان هؤلاء هم ضاهر (وفى النطق السورى ظاهر) العمر، والجزار، وبونابرت. فقد بسط ضاهر، وكان شيخا من شيوخ البدو وصاحب صفد، سلطانه على الجليل واستقر فى عكا وحصنها وأقامها من بين أنقاضها. وقاوم ضاهر الباب العالى (١٧٥٠ - ١٧٧٥ م) بفضل معونة المملوكين المصريين على بك وأبى الذهب وأسطول صغير من السفن الروسية كان يجوب المياه السورية. وحاصره الترك فى عكا وأدركته منيته فيها سنة ١٧٧٥ م. وصمد خليفته الجزار لعبقرية بونابارت الشاب الحربية ثلاثة أشهر (مارس - مايو ١٧٩٩) وظل الجزار، باشا دمشق وعكا، متحكما فى مصير سورية قرابة أربعين عاما (١٧٧٥ - ١٨٠٤) بالرغم من مظالمه وقسوته.
وقد نقص لعمكان الشام وفلسطين الذين كان عددهم أيام الفتح العربى أربعة ملايين نسمة فبلغ عددهم مليونا ونصف مليون بعد ثلاثة قرون من الحكم التركى. واضمحلت زراعة القطن الذى كان هو والحرير أهم موردين من موارد الثروة فى سورية اضمحلالا تاما، حين قرر محمد على والى مصر إن يجتذب اليها الزراع السوريين الذين كانت قد وهنت عزيمتهم. وكانت هذه الحالة من الفوضى هى التى مكنت الأمير بشير اللبنانى من التدخل فى شئون سورية السياسية بل إن أكابر