عبد المجيد والذى بعث به إلى مؤتمر باريس (١٨٥٦) ووضع ضمنا هذه الحقوق فى كفالة الحلفاء قد أخزى الرأى العام الإسلامى، ولكنه أوحى بالثقة إلى صفوف النصارى، فاغتنموا الفرصة فى دمشق وغيرها من المدن الكبرى للثراء. وبدأت الثورة تضطرم فى قلوب الدروز والمسلمين وتنتظر حوادث سنة ١٨٦٠ حتى تنفجر.
وضم دروز لبنان صفوفهم إلى صفوف أهل ملتهم فى وادى التيم وحوران فأعملوا النار والدمار فى قرى الموارنة الذين كانوا فى هرج ومرج إثر نزاع نشب حول زراعة الأرض، وبلغت هذه الحركة المناهضة للمسيحيين دمشق التى كان المسلمون قد نهبوها ثم أشعلوا النار فى حى النصارى الزاهر بعد تذبيح سكانه، وتدخلت السلطات التركية فى دمشق، وفى لبنان، وفى بيروت لنزع السلاح من المسيحيين فحسب، وراحت ترقب المذبحة دون أن تحرك ساكنا، إما لعجزها وإما لتأجيج نارها. وعملت فرنسا بحق الانتداب التى خولته لها أوروبا، فأنزلت فى بيروت (سبتمبر سنة ١٨٦٠) جيشا "لمساعدة السلطان على إعادة الأمن إلى نصابه" وسبق الباب العالى إلى العمل فأنفذ فؤاد باشا إلى سورية وجعل له حرية التصرف بما يراه؛ وبدأ باتخاذ إجراءات سريعة وأصدر أحكاما بالنفى على أشد الزعماء الترك والدروز إيغالا فى الفتنة، فوضع أوروبا أمام الأمر الواقع، وشل دهاء الترك وتوجس الانجليز تدخل الفرنسيين، ومع ذلك فقد أعاد هذا التدخل الثقة إلى قلوب المسيحيين وحفظ وطنهم لأصحابه أهل لبنان، ومنح لبنان نظاما من الحكم الذاتى فى رعاية أوروبا المباشرة فغنم بذلك قرنا من الزمان نعم فيه بالأمن والرخاء.
وكانت سورية بعد سنة ١٨٦٤ مقسمة إلى ولايتين: ولاية حلب، وولاية دمشق، وفى سنة ١٨٨٨ جعلت بيروت أهم ثغور سورية ومركز الحياة التجارية ولاية قائمة بذاتها. وركدت الحال فى سورية بعد الهزات التى