انتابتها سنة ١٨٦٠ فوقفت موقف المتفرج الذى لا يبالى بسقوط السلطانين عبد العزيز ومراد ومجئ السلطان عبد الحميد ومنح الدستور سنة ١٨٧٦ (وسرعان ما سحب)، ورأينا اليهود بين سنتى ١٨٨١ و ١٨٨٣ يقيمون أول مستعمرات زراعية لهم فى فلسطين، فمهد ذلك الطريق إلى الصهيونية. ونالت الصهيونية الاعتراف الرسمى بفضل وعد بلفور (نوفمبر ١٩١٧ م) ودخل ذلك فى نص الانتداب البريطانى على فلسطين ١٩٢٢).
وفى عهد عبد الحميد بدأت الهجرة تتسع اتساعا يقلق الخواطر. ورأى السوريون أن فسحة العيش قد ضاقت بهم فى وطنهم وباتوا تستغلهم سلطة جشعة لا عهد لها ولا ذمة، فأخذوا ينزحون عن بلادهم. وكان من الأمور التى شكا منها السوريون بحق إهمال الحكومة التركية للمرافق العامة. وأقبلت فرنسا برأس مالها لتفريج كربة سورية، وكانت آنئذ قد تركت لشأنها بعد أن أصيبت بضربة اقتصادية أخرى من جراء شق قناة السويس، ذلك أننا باستثناء الجزء السورى من سكة حديد بغداد وسكة حديد دمشق المدينة اللتين هما من صنع عبد الحميد، نجد أن خطوط السكك الحديد السورية قد أقام معظمها فرنسا. وزادت هذه المشروعات فى ثروة سورية وإنتاجها، فقد ربطتها بسلسلة واسعة من أسباب الاتصال، أجل ربطتها بطوروس والأناضول، والآستانة فى الشمال، وبلاد الغرب ومصر فى الجنوب.
وعنى الترك بتشجيع التقدم العقلى فى سورية عناية أقل من عناية المماليك أنفسهم؛ فقد أبدى عبد الحميد صراحة عداوته للأدب العربى وأنشأ نظاما صبغ سورية بالصبغة التركية، وعلى الرغم من جميع هذه العقبات، نجح نصارى حلب خلال القرن السابع عشر فى معاودة الاتصال بالدراسات العربية التى ظلت قرونا مغلقة فى وجوههم أو تكاد. ونحن ندين لهم بفضل إنشاء أول مطبعة فى لبنان (١٦١٠) وفى حلب.