للبوار، فاستنجد بآمورى Amaury مبينا للفرنجة خطر التمكين لعدوهم نور الدين من الاستقرار فى مصر، وقبل الفرنجة عن طيب خاطر -بعد أن وعدهم شاور بتعويضهم عما قد يلحق بهم من ضرر- ما تقدم به من عروض مؤملين أن يتمكنوا من فتح مصر لحسابهم. وحوصر شيركوه فى بلبيس وكادت مؤونته أن تنفد فقبل الشروط التى قدمت إليه للعودة إلى الشام. على أن الفرنجة تأثروا من ناحيتهم باستيلاء نور الدين على حارم فلم يلبثوا أن غادروا البلاد.
وفى عام ٥٦٢ هـ (١١٦٧ م) أغار شيركوه مرة أخرى على مصر وهزم شاور وتحالف من جديد مع الفرنجة عند بابين فى مصر الوسطى بالقرب من الأشمونين (٢٥ من جمادى الآخرة عام ٥٦٢ الموافق ١٨ أبريل عام ١١٦٧). غير أن هذه الهزيمة لم تؤد إلى نتيجة حاسمة، واستطاع شاور أن يجمع شمل جنوده وأن يحاصر شيركوه فى الإسكندرية، وباستيلائه على هذه المدينة أفلح فى حمل شيركوه على مغادرة البلاد مرة أخرى. على أن المعاهدة التى عقدت مع الفرنجة كانت عبئا ثقيلا على الفاطميين. ذلك أنهم لم يكتفوا بأداء جزية سنوية للفرنجة، بل اضطروا إلى أن يسمحوا بأن تحتل جنودهم مراكز القاهرة، وأن يكون لهم فيها ما يشبه المندوب السامى (شحنة).
وفى عام ٥٦٤ هـ (١١٦٨ م) أرسل نور الدين شيركوه إلى مصر للمرة الثالثة بغرض إجلاء الفرنجة عن البلاد، وكانت مطالب الفرنجة قد أدت إلى قيام وحشة بينهم وبين شاور. وحاصر الفرنجة شيركوه فى مدينتى القاهرة والفسطاط؛ وأشعل شاور النيران فى هذه البقعة التى لم يستطع الدفاع عنها. وتخلص شاور مرة أخرى من متاعبه بالتفاوض مع الفرنجة ودفع ثمن رحيلهم عن البلاد. غير أن مركزه الخاص كان قد تحرج لأن سياسة التوازن بين الفرنجة والشآميين لم تعد بعد ممكنة. ثم إن الخليفة العاضد كان فى الوقت نفسه قد تقرب شخصيا من نور الدين، وبدأ شيركوه العمل بأن طلب من شاور أن ينفذ شروط المعاهدة المعقودة بينهما، ثم إن مراوغة شاور جعلت حاشية شيركوه وخاصة ابن أخيه صلاح الدين تقرر موته، ومن ثم استدرج شاور إلى كمين بالقرب من