بعد أن أخضعت لذلك التقييم الدينى الذى شمل كل شئ وأنتج من جانبه أيضًا عددا كبيرا من المبتكرات الفقهية البالغة أعلى درجة فى الأصالة. ومن طريق هذه النزعة الشاملة فى بيان الأوامر والنواهى صار مضمون الشريعة على تنوعه وحدة متماسكة غير قابلة للانحلال.
وأحكام الشريعة يمكن أن تنقسم من حيث مادتها إلى طائفتين كبيرتين:
١ - أحكام تتعلق بالعبادات والشعائر.
٢ - أحكام ذات صبغة قضائية وسياسية.
وكل هذه الميادين هى بحسب طريقة التفكير الإسلامية من نوع واحد تماما (وإن كان المسلم يحس بطبيعة الحال بأن الأحكام الأولى المسماة العبادات أوثق صلة باللَّه). وهذا يصدق أيضًا على الأحكام الكثيرة المتفرقة فى جميع أنحاء كتب الفقه والتى تتعلق بأمور مختلفة أشد الاختلاف لا يكاد يمكن إدخالها فى إحدى الطائفتين الكبيرتين اللتين تقدم ذكرهما، وذلك مثل الأحكام المتعلقة بالآلات الموسيقية المباحة والمحرمة، وباستعمال آنية الذهب والفضة، والعلاقات بين الرجال والنساء، والمباراة فى الرماية والسباق، وتصوير الكائنات الحية، واتخاذ الملابس والزينة بالنسبة للرجال والنساء ونحو ذلك.
وكانت النزعة الكبرى عند نشأة الشريعة هى نزعة الحكم على كل أحوال الحياة على أساس النظرة الدينية، ولم تكن وجهات النظر القانونية إلا شيئًا ثانويا فحسب (انظر Bergstrasser، المصدر المتقدم) وأهل السنة يقسمون الشريعة أحيانا تقسيما شكليا إلى عبادات ومعاملات وعقوبات. أما الشيعة الاثنا عشرية، فقد قسموا الشريعة على نحو أكثر منهجية تقسيما شكليا أيضًا لم يمضوا فيه من حيث المنطق إلى نهايته، ذلك أنهم قسموها إلى عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام.
وكان هناك إجماع بين الأجيال الأولى من المسلمين حول الواجبات الكبرى المفروضة على المسلم. فالقرآن كان قد جعل للصلاة والزكاة والصوم شأنا خاصا. ورأى الكثيرون إلى ذلك أن الاشتراك فى الجهاد فرض أساسى