نظر أتباعها دائما شيئًا يعلو على الحكمة الإنسانية. ولذلك أيضًا لم يحرم البحث فى معنى القوانين الإلهية بقدر ما هدانا اللَّه نفسه إلى طريقة هذا البحث، وعلى هذا فإنه يشار فى كثير من الأحيان إلى الحكمة من شرع شرعه اللَّه. لكن المرء يجب عليه دائما أن يحرّز من المغالاة فى قيمة هذه الاعتبارات النظرية.
ولهذا السبب نفسه لا تعد الشريعة "قانونا" بالمعنى الحديث لهذه الكلمة ولا هى كذلك من حيث مادتها، ذلك أنها، وهى القانون الخلقى الذى لا يتطرق إليه الباطل، تشمل جملة الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والعائلية والفردية لمعتنقى الإسلام على أوسع نطاق وبدون تقييد، كما تشمل حياة أهل الأديان الأخرى الذين يسمح لهم بالحياة بين المسلمين ما دام نشاطهم بريئًا من العداوة للإسلام.
والمكلف بالعمل بأحكام الإسلام هو الشخص البالغ العاقل، وعلى هذا فإن الشريعة لا تقيد غير المسلم شيئًا من التقييد إلا فى بلاد الإسلام، فهى تقصر انطباقها طبقا للمبدأ الذى يراعى الشخص ويراعى البلاد معًا (١).
وهذه النظرة التى تميز الشريعة تمييزًا تاما تبدو بارزة منذ مرحلتها الأولى، أى المرحلة القرآنية، وإن الأحكام الواردة فى القرآن كانت بعيدة عن أن تكون شاملة لكل تفاصيل الميادين التى تقدم ذكرها. وقد وضح القرآن أولًا وقبل كل شئ ما يجب على الإنسان أن يفعله بالنسبة لأنواع معينة من التعاقد، وبالنسبة لأحوال معينة، وأن يبين ما لا يجوز للإنسان أن يفعله؛ أما فيما يتعلق بالمصادر المادية التى استوعبتها الشريعة الإسلامية فإن عناصر كثيرة مختلفة جدًا فى أصلها (من آراء عربية قديمة وبدوية: قانون التعامل بمدينة مكة التى كانت مدينة تجارية؛ وقانون الملكية فى واحة المدينة؛ والقانون العرفى الذى كان فى البلاد المفتوحة، وهو قانون رومانى إقليمى إلى حدّ ما؛ وقانون هندى) قد احتفظ بها الإسلام وأخذ بها من غير تحرج
(١) زاد الكاتب الفقرة التالية على المادة الأصلية وأثبتها فى مختصر دائرة المعارف الإسلامية.