الأخرى، فهم يراعونها فى الغالب تمام المراعاة، ويعدونها مهمة جدًا، وإن كانت لا تتفق كل الاتفاق مع نص الشريعة، هذا على حين أن كثيرا من الواجبات الدينية التى لا مفر منها من الناحية النظرية لا تراعى فى الجملة، ففيما يتعلق بقوانين الزواج والأسرة والميراث، وهى القوانين التى يمكن أن تتبع فى الغالب على أدق وجه ممكن، نجد قيود العادة أو العرف ماثلة، وهما القانون العرفى القائم منذ عهد سحيق فى مختلف البلاد الإسلامية. وأما سائر أبواب الشريعة فلم تعد لها قيمة عملية، وإن كان يوجد فى كل مكان وفى كل زمان أتقياء متحرزون يجتهدون حتى فى المسائل التجارية أن يراعوا أحكام الشريعة إلى حد ما (وحتى فى أيامنا هذه يرفض البعض فوائد البنوك)(١). وهنا ترجح العادة على الشريعة فى كل مكان، وإن كانت العادة بحسب كتب الفقه لا يكون لها التطبيق الملزم إلا فى الحالات التى يشير فيها القانون إلى العادة إشارة صريحة. على أن هذا التقليل من شأن العادة لا يتفق مع ما كان للعادة من مكانة فى تاريخ الشريعة: فالنبى نفسه عليه الصلاة والسلام أبقى العادات العربية على ما هى عليه ما دامت العادة لا تتعارض مع مبادئه. وقد وضع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قواعد قليلة فحسب، ولم يكن يراد بحال إزالة العادة عن عرشها، وإن كان النبى عليه الصلاة والسلام لم يقرر هذا بحيث يجعله مبدأ. وقد نقل الإسلام العادات العربية إلى البلاد الأجنبية كما أنه أقر أيضًا فى أول الأمر بعض العادات الأجنبية إقرارا واسع المدى، لكن هذه النزعة تركت بعد ذلك من الناحية النظرية، وإن كانت العادة قد احتفظت دائما بسلطانها الكبير. وقد اشتكى الفقهاء دائما من ذلك أيضًا، ولم يرضوا بأن يعتبروا العادة أصلًا خامسا من أصول الفقه. لكن شعور جمهور الناس لا يعرف إلا العادة، بل إن الواجبات الشرعية التى يؤديها الناس بالفعل إنما تؤدى لأنها من جملة العادة. وفى جزائر الهند الشرقية الهولندية مثلا يعترف للعادة حتى من الناحية النظرية بمكانها إلى جانب