عليه الصلاة والسلام، وبذلك اعتبرت هذه الأحوال تصديقا لما أخبر به عليه الصلاة والسلام؛ وصفوة القول أن الشريعة، بحسب اقتناع الفقهاء أنفسهم، إنما يقصد بها الجماعة المثالية الكاملة فى العقود الأولى من حياة الإسلام وفى عصر المهدى المنتظر. وكان هذا اعترافا من جانب أهل التقى بعجزهم أمام أحوال العصر. لكن الشريعة، التى تتسم بطابع أكاديمى فى جوهرها، كان لها دائما سلطان تهذيبى كبير على العقول، وهى لا تزال تدرس بشغف، وتعتبر عند دوائر كبرى من المسلمين الموضوع الوحيد للعلم الحقيقى، بالرغم من أن الغزالى قد ذهب إلى خلاف ذلك، ولكن اعتبار الشريعة مثلا أعلى لا يمكن تحقيقة، والقول بتنزه الإجماع عن الخطأ وأنه علاوة على الاقتناع بأن عصر الاجتهاد انتهى، كل أولئك قد منع كل انحراف عن السنة السابقة فجمدت الشريعة من ثم جمود، تاما. على أنه توجد بعد أحكام كثيرة لا يزال القوم يعنون بها، وهى لا تتعلق إلا بأحوال العرب القدماء وليست لها أهمية عملية اليوم حتى فى نظر المسلم السنى المتشدد.
وقد تقدم ذكر أبواب الشريعة التى لها شأن عملى بالنسبة للمسلم (بصرف النظر عن أحدث تطور فى تركية). على أنه لا بد لنا أن نزيد الملاحظات الآتية، ولكن لا يصح بحال أن يغيب عن بال المرء فى هذا المقام أنه يمكن أن توجد من حيث التفاصيل فوارق كبيرة بين مختلف العصور ومختلف البلاد، وأن شدة التمسك باتباع أحكام الشريعة أو التراخى فى ذلك لا شأن له بدرجة التعصب، فالجهل والتراخى الظاهر منتشران جدًا حتى فيما يتعلق بالعبادات وبفروض الدين بمعناها الضيق التى هى أهم شئ بالنسبة للمسلم. لكننا نلاحظ فى العالم الإسلامى كله اجتهادا للقيام بفروض الدين الجوهرية على الأقل والاستمساك بها ما أمكن وخصوصا العادات التى يتميز بها المسلمون فى ظاهر حياتهم من معتنقى الديانات