للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٩٢٠. ثم فى شئ من الجرأة فى سنة ١٩٢٩ و ١٩٣١ (وهنا أيضًا كانت تركية قد سبقت إلى ذلك فى سنة ١٩١٧).

على أن الفقهاء أنفسهم كانوا دائما بحكم الواقع شاعرين باستحالة تطبيق أحكام الشريعة فى الأحوال السائدة؛ ومهادنتهم للسلطة الدنيوية تستند إلى هذا الادراك. وهم لم يستطيعوا أن يدمغوا جميع المسلمين تقريبا بأنهم عصاة أو مارقون؛ لأن الأحوال كانت دائما تضطرهم إلى تعدى حدود الشريعة إذا كانوا لا يريدون أن ينفضوا يدهم من الدنيا نفضا تاما. وكان لا بد من اعتبار أن هذه الأحوال شئ قد وقع بل شئ أراده اللَّه، وهكذا (١) بقى للشريعة ما كان لها فيما سلف من الاعتراف بها نظريا دون قيد أو شرط، ومن قصَّر فى هذا الاعتراف فإنه يعتبر كافرًا. لكن الشريعة جردت بالفعل من سلطانها من حيث إن أحكامها لم تكن تنفذ عمليا، وهذا (٢) يتجلى فى أن بعض الأعمال اعتبرت سُنّةً فحسب أو مكروها، كما يتجلى فى عدم تطبيق العقوبات الشرعية على تاركى معظم فروض الدين، بل لقد بين الطريق للتملص من أحكام الشريعة، واستندوا إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، وزعموا إن الإنسان لا يكفر بتعدى حدود الشريعة بل بالشك فى صحتها من الأزل إلى الأبد. واقتنع البعض بأن الانحلال سيظل فى الجماعة الإسلامية بعد عصرها الذهبى إلى أن يظهر المهدى، وهم استخلصوا هذا الاقتناع من مجرى تطور الأحوال وعبروا عنه فى أحاديث موضوعة نسبت إلى النبى


= الأوروبى، وكان ذلك للقانون التجارى ثم لقانون العقوبات. أما القانون المدنى الشرعى فقد وضع مجموعا فى "المجلة" لكن هذه المجلة لا تتفق فى صورة موادها مع ما تقضى به الاعتبارات النظرية بصرف النظر عما تضمنته من انحرافات واقعية. ثم إنه كان لا بد أن تطبقها المحاكم الدنيوية لا المحاكم الشرعية. وجاءت آخر خطوة فى عام ١٩٢٦ بإدخال القانون المدنى السويسرى (وقانون العقوبات الايطالى أيضا)؛ وبذلك جردت الشريعة من سلطانها حتى فى مسائل قانون الزواج والأسرة والميراث. وأخيرًا فى سنة ١٩٢٨ ألغى آخر ذكر للشريعة من الدستور وعمل بمبدأ أن الدولة ليست لها الصيغة الدينية فى صورته المتطرفة. وألبانيا حتى اليوم هى الإسلامية التى اقتفت أثر تركيا فى الغاء الشريعة إلغاءً تامًا.
(١) من هنا إلى قوله: "فإنه يعتبر كافرا". منقول من المختصر.
(٢) من هنا إلى قوله فروض الدين منقول من المختصر.