علل؛ ويثبتون به القياس، الذى هو حمل فرع على أصل لعلة مشتركة بينهما. . . بل إنهم يقررون أن هذا البحث عن العلل، والوصول إلى شئ من أحكام الشريعة، فرض كفاية على المجتمع الإسلامى، فيجب أن يقوم فى أفراده من يمارس هذا البحث، إذ إن الاجتهاد، وهو بذل الجهد واستنفاد الطاقة فى طلب الظن بشئ من أحكام الشريعة إلى أن يحسوا من أنفسهم بالعجز عن المزيد من هذا الجهد. . هذا الاجتهاد فرض على الكفاية بحيث إذا اتفق الكل على تركه لحقهم الإثم -الآمدى- الأحكام فى أصول الأحكام - جـ ٤: ٢١٨, ٣١٤.
وهم يمضون فى تأصيل هذا الوجوب الكفائى، فيبحثون فى عدم جواز خلو أى عصر من عصور حياتهم عن مجتهد، يبذل هذا الجهد فى الظن بشئ من أحكام الشريعة، يدرك به علة أصل فيثبت حكم الفرع، وينتهى إلى حكم فى حادثة. . . ويقول الجمع منهم بعدم جواز خلو الزمان عن مجتهد، ويشددون النكير على من يقول بجواز ذلك الخلو حتى يقول قائلهم: إنه قول يقضى الإنسان منه عجبًا -صديق حسن: حصول المأمول من علم الأصول -تلخيص إرشاد الفحول للشوكانى- ص ١٥٦, ط التقدم.
فإذا كان أصحاب الشريعة يقضون عجبًا من القول بخلو الزمن عن مجتهد يؤدى الفرض الكفائى عن المجتمع الإسلامى، فأى تهافت هذا الذى نجده فى قول قائل عن تلك الشريعة: إنه لا يجوز للإنسان البحث عن عللها. . بل أى تهافت فى هذا الكلام يتجسم إذا ما ذكرنا قول الظاهرية بحرمة التقليد، ووجوب الاجتهاد على كل أحد، فى أى مستوى من المعرفة، فالعامى والعالم يحرم التقليد عليهم سواه، وعلى كل أحد حظه الذى يقدر عليه من الاجتهاد، ومن قلد فى جميع قول أبى حنيفة، أو جميع قول مالك، أو جميع قول الشافعى، أو جميع قول أحمد، فقد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها، واتبع غير سبيل المؤمنين -ابن حزم،