النبذ ص ٥٤، ٥٥، ط الأنوار- فكيف يكون فى رجال هذه الشريعة من فكر مثل هذا التفكير واشتد مثل هذه الشدة فى وجوب البحث فى الشريعة على كل أحد، ثم يقول الكاتب: إنه لا يجوز للإنسان البحث عن عللها. . . إلخ ما فى مادة شريعة! ! ولو تركنا هذا التعميم المتشدد فى وجوب الاجتهاد فقد بقى رأى الجمع المعتدل، فى أن الاجتهاد فرض كفاية، وأن الاعتبار مأمورٌ به، وهو بشهرته وشيوعه قول يكشف تهافت ما فى المادة. . .
ولا يقف أمر الكاتب عند هذا التناقض وذلك التهافت، بل يبدو معهما أيضًا:
التجاهل: أو هو شئ آخر من مادة ج هـ ل -كرهت أن أقوله جهرة، عملا بأدب القرآن:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}. . على أن فى التعبير بالتجاهل نظرا إلى الاعتبار النفسى الذى يسوق الكاتب إلى أن يفعل بالحقائق المقررة هذه الأفاعيل المشوّهة للشائع المشتهر، المخفية للحقائق. . ويبدو ذلك الصنيع فى أشياء: إذ يقول: "لا يجوز للإنسان أن يبحث فى الشرع عن علل ومبادئ" -أى أن المنطق الإنسانى. والتقعيد قليل الحظ فى الشريعة الإسلامية- ويتجاهل أن القياس أصل من أصول هذه الشريعة كالقرآن والسنة، وأن جمهرة المسلمين قد مارسوا هذا القياس ممارسة مسرفة؛ وحتى نفاة القياس، وهم الظاهرية، لم يلبثوا أن اعترفوا بصور من القياس، عدوها من دلالة النص على ما هو معروف. وقد سمعت قريبًا قول هؤلاء الظاهرية بوجوب الاجتهاد وجوبًا عامًا على كل أحد، ولا معدى يجتهد عن البحث فى علل الأحكام بأى طريق، من قياس أو غيره.
وما هذا القياس الذى هو أحد أصول الشريعة، ومصدر من مصادر أحكامها؟ إنه ليس إلا عملا كبيرا فى تعليل الأحكام! ! وإنه ليس إلا عملا منطقيا أصيلا. . وكل أولئك ليس إلا سبيلا إلى التقعيد، وتقرير المبادئ فى الشريعة المقيسة المعللة، المبحوث فيها عن أغراض الشارع ومراميه، حتى تلتزم المحافظة عليها! !
فالقياس هو حمل مجهول على معلوم لعلة مشتركة بينهما, وليس هو