إلا عملا منطقيا أصيلا، صرفا؛ وأبحاث الأصوليين الواسعة، بل الفضفاضة فى "مسالك العلة"، من صميم المنطق، بل هم قد حلقوا فيها إلى آفاق من المنطق الحديث، منطق المادة، لا المنطق القديم منطق الصورة فقط، فإنهم بعد ما زاولوا منطق الصورة مزاولة متوسعة، وجرت كتب الفقه عندهم فى تناولها على نظام هذا المنطق فى أشكال القياس، حتى ما يستطيع الاستفادة منها إلا من يعرف هذا المنطق معرفة تؤهله لفهم أسلوبهم فى التأليف، وما يشيرون إليه من قضايا القياس، فى أضربه وأشكاله. . إلخ. . وما يثبتون وما يحذفون. . بعد ما شبعوا من ذلك وارتووا، قد شارفوا فى البحث عن العلل، صورا من الفرض العلمى، كيف يكون؟ وكيف تفحص الفروض المختلفة؟ حتى يبقى منها الأصح؛ وهو ما يعرفه كل ذى صلة بأصول الفقه، ولا نملك الفرصة لإشارة هنا إلى شئ منه إلا أن يكون ذكرًا لبعض اصطلاحهم فى ذلك الذى يسمونه "السير والتقسيم"، ويقدمون منه -كما قلت- مثلا من المنطق الحديث، منطق المادة والموضوع.
والذى يعرف هذا الصنيع فى التعليل والمنطقية فى الشريعة، يعرف كذلك أنهم قد وصلوا من ذلك كله إلى مبادئ وأصول كبرى استطاعوا بها أن يصفوا وصفا منضبطا مقاصد هذه الشريعة، فى مثل المشهور الشائع من قولهم: إن الشارع راعى فى أحكامه الضروريات الخمسة، وهى: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وأضاف إلى ذلك ما يصلحها، ثم ما يكملها، وراعى الشارع الحاجيات، والكماليات، حين لا تعود على أصل الضروريات بالإبطال. . . إلخ، -الخضرى. . أصول الفقه، ص ٣٦٥، ط الخانجى- وهم يبينون ذلك بيانا مفصلا شافيا.
والذين لا يستطيعون القياس إلا بعلة فى الأصل توجد فى الفرع المحمول عليه، لا يمكنهم أن يقوموا بشئ من هذا إلا بتعليل كامل أصيل، يعرف الأوصاف المناسبة التى اعتبرها الشارع، والأوصاف التى لم يعتبرها،