نهاها عنه. . ومن أجل ذلك قلت إن تسمية هذه مصادر مادية للشريعة تعبير جرئ وغير دقيق معا. . وقد جاء مبتسرا لم تمهد له دراسة تاريخية، ولم تثبته دراسة مقارنة. . ونحن على كل حال لا نجزع من أن يكون العرف العملى فى البلاد المفتوحة -رومانيا كان أو هنديا أو ما يكون- قد روعى فى التشريع؛ لأننا نقبل أكثر من هذا حين نعد شرع من قبلنا شرعًا لنا. . إلخ. وحين نقرر أن الإسلام قد أبقى فعلا بعض أعمال العرب وعاداتهم فى الحج مثلا؛ لأن ذلك كان يتلاءم مع الوضع العملى والنظرى للإسلام. . وهو تقريره الوحدة الدينية الإنسانية، وتصديقه لما بين يديه من الكتاب. . . فليفرخ روع القوم فإنا نقبل من ذلك ما تقره نواميس الاجتماع، وسنن الحياة الحتمية، وأما ما زاد عن ذلك فلا وجه له ولا أصل.
ولعل فى المادة نفسها ما يقرر هذا المعنى العام إذ تقول ما عبارته. .: "نعم روعيت بطبيعة الحال أوامر القرآن، والقواعد الأخرى التى وضعها النبى عليه السلام، لكن المسلمين أخذوا فى الوقت نفسه دون تحرج بالقوانين التى وجدوها أمامهم فى البلاد الجديدة التى فتحوها، ما دام لم يكن عليها اعتراض دينى".
فإنه ما دامت تراعى بطبيعة الحال أوامر القرآن التى هى مصدر الشريعة الأول، وما دامت تراعى القواعد التى وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهى السنة، أى المصدر الثانى من مصادر الشريعة، وما دام العرف القانونى الموجود فى البلاد المفتوحة ليس عليه اعتراض دينى، فذلك هو التفاعل الطبيعى بين الطارئين وبين سكان البلاد، وبين الشريعة التى حملوها والعرف القانونى الذى وجدوه، وهو ما تقتضيه المرونة الحيوية والتأثر الاجتماعى؛ ولا بأس به، ولا عدوان على حقيقة، وعلى هذا التفسير الذى تقرره المادة نفسها لا تكون تلك الأشياء التى تؤخذ فى ظل التوجيه التشريعى الدينى هى التى تسمى مصادر الشريعة.
وبقيت فى المادة مواضع للملاحظة يستطيع القارى إدراك ما فيها؛ ولا ضرورة للوقوف المطول عندها.