بكثير حكمنا بأن الثعالبى كان على حق فى قوله. ولا يسعنا إلا أن نسلم بأن بعض المراثى التى قالها الشريف الرضى فى أصدقائه تتسم بالشعور الصادق؛ ثم إن مقدار ما قال من الشعر فى حياته القصيرة الأجل عجيب، ذلك أن ديوانه كان يشغل فى الأصل أربعة مجلدات. ولا شك أن الشريف الرضى كان ضعيف البنية، وهو نفسه يروى فى إحدى قصائده أن الشيب بدأ يخط رأسه حين بلغ الحادية والعشرين، وهى من باكرة؛ ولعل من أسباب اعتلال صحته انشغاله على أبيه الذى ظل سجينا فى شيراز زمنًا طويلًا بسبب ذنب اقترفه ولم أتوصل للكشف عنه، وبسبب الاضطراب الذى قام فى بغداد، نتيجة محاباة أمراء البويهيين للشيعة محاباة ظاهرة وما نجم عن ذلك من موجدة أهل السنة. وكان أبوه قد اعتزل منصب النقيب، وكرّم الشريف الرضى بتوليته هذا المنصب الجليل. ويقول الثعالبى وغيره من كتاب السير الذين ينقلون عنه إنه تولى المنصب سنة ٣٨٨ هـ ولكن المقدمة التى صدر بها القصيدة التى بعث بها إلى بهاء الدولة يشكره على ما أسداه إليه من فضل تذكر أن البراءة أرسلت إليه من البصرة مصحوبة بأمر تقليده قيادة قافلة الحجيج، وبلغت بغداد فى غرة جمادى الأولى سنة ٣٩٧ وفى السنة التالية زاد بهاء الدولة فى تشريفه فأنعم عليه بلقب الرضى، وهو اللقب الذى غلب عليه. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أى فى شهر ذى القعدة سنة ٤٠١ هـ، تلقى من الأمير نفسه لقبًا ثالثًا هو لقب الشريف، وظل بهاء الدولة ينعم عليه بآيات التشريف الأخرى. وفى يوم الجمعة السادس عشر من المحرم سنة ٤٠٣ هـ عين نقيبا لآل البيت فى جميع أملاك الأمير، على أن المرض اشتد عليه اشتداد، خطيرًا فى جمادى الأولى من السنة نفسها حتى يئس الناس من حياته، بيد أنه ما إن انقضى شهران حتى أبل من مرضه إلى حد أنه استطاع أن يرسل فى شهر رجب قصيدة أخرى إلى سلطان الدولة فى أرجان، حيث كان بهاء الدولة قد أدركته منيته فى جمادى الآخرة؛ وكانت قصيدته الأخيرة التى نظمها بحيث تصلح لمدح أى أمير هى التى