تحذيرًا فى الوقت المناسب فاستطاع الهرب إلى جزيرة فى النيل اعتصم بها، إلا أنه سرعان ما عاد إلى القاهرة ونصب أنوك شقيق شعبان سلطانًا، على أن المماليك أكرهوا شعبان، وكان قد بلغ حينئذ السادسة عشرة من عمره، على أن يكون على رأسهم، واضطر يلبغا مرة أخرى إلى الارتداد إلى جزيرته القائمة فى النيل، وأفلح شعبان فى الاستيلاء على الأسطول الذى كان يلبغا قد بناه حديثا, ولم يبق ليلبغا من سبيل إلا أن يترك ملجأه ويهرع إلى القاهرة، وهناك أسره المماليك الذين كانوا قد عادوا فى الوقت نفسه إلى القلعة، ولم يلبث أن قتل بعد ذلك على يد مملوك وهو يحاول الهرب. وراح مماليك يلبغا عندئذ يوقعون الرعب فى قلوب الناس ويعصون زعيمهم الجديد الأمير أسندمير, وقد نشأ عن ذلك قتال متصل انتهى بنفى عدد كبير من مماليك يلبغا إلى سورية واعتقالهم فى الكرك، وكان لهم من بعد نصيب ذو شأن فى دولة المماليك. ثم حدثت تغييرات عدة فى شخص الوصى انتهت بتولى زمام الحكم الأمير أقتمير الصحابي وظل فى منصبه حتى توفى السلطان؛ وقد أحرز السلطان نجاحا مؤقتا فى الجنوب أى فى النوبة، واعترف ملك النوبة بسيادة مصر، إلا أن النوبيين ثاروا على أقتمير لقسوته فى معاملة الأسرى ودمروا مدينة أسوان القائمة على الحدود.
ولا شك أن فكرة السلطان فى الحج إلى مكة قد راودته فى هذه الأوقات العصيبة، وقد أراد أن يحمى نفسه من مؤامرات أقاربه فجاء بأخوته وأولاد عمومته إلى الكرك، وأنفذ نائبه إلى مصر العليا لحماية الحدود من البدو، إلا أن سلطانه على مماليكه كان ضئيلا مما جعل المجازفة بمثل هذه الرحلة أمرًا عسيرًا. وتمرد المماليك الطامحون فى العقبة، وأبى السلطان أن يجيبهم إلى مطالبهم فهددوه بالقتل مما اضطره إلى الهرب سرًا إلى القاهرة. على أنه كان للماليك شركاء فى القاهرة يعادون السلطان، ومع ذلك فقد استطاع أن يظل مختفيا فى القاهرة إلى حين فى منزل