الاختفاء إبقاء على حياته فلما علم أن الحجاج قد أمن كل من اشترك فى جيش قتيبة بن مسلم الذى كان يجند فى ذلك الوقت لإنفاذه إلى خراسان، حصل بمعونة صديق له على حمار وزاد ثم شخص إلى فرغانة وأقام فيها لا يعرفه أحد، ولكنه استطاع أن ينال رضا قتيبة فاستخدمه كاتبا له، ودار فى خلد الحجاج من رسالة لقتيبة أن الشعبى هو كاتبها، وأمر قتيبة أن يبعث به إليه دون إبطاء. وقد كان الشعبى منذ وقت طويل وثيق الصلة بابن أبى مسلم، حاجب الحجاج، والراجح أن ابن أبى مسلم كان قد أحسن الشهادة فيه أمام الحجاج، قبل أن يمثل الشعبى بين يديه. وأشار ابن أبى مسلم وغيره من الأصدقاء على الشعبى بما يمكن أن يقدمه للحجاج من معاذير، فلما مثل بين يديه تحمل صامتا ما كاله له الحجاج من ملام على تنكره للمنن التى أفاءها عليه، ثم اعترف بجريرته وحمقه، ولا شك أن الحجاج قد قدر علم الشعبى، وربما كان تقديره لهذا العلم قد فاق تقديره لمكانته بين أبناء عشيرته، فعفا عنه عن طيب خاطر.
وما من ريب فى أن شهرة الشعبى قد بلغت الخليفة عبد الملك، ذلك أنه أرسل للحجاج يستقدم الشعبى. وأقام الشعبى السنوات القليلة التالية فى بلاط عبد الملك بدمشق. ومن العسير أن نصدق الرواية التى تقول إن إقامته هذه كانت مدتها ثلاث سنوات انتهت بوفاة عبد الملك، ذلك أننا نعلم نقلا عن الشعبى نفسه أنه استخدم فى سفارتين هامتين جدًا، إحداهما إلى إمبراطور الروم فى القسطنطينية، والأخرى إلى أخى الخليفة عبد العزيز الذى كان واليا على مصر. وكانت السفارة الأولى التى روى خبرها الشعبى نفسه سفارة مشهودة، إذ حاول الإمبراطور أن يثير شكوك الخليفة فى سفيره ولكنه لم ينجح فى ذلك لاستقامة الشعبى. أما السفارة الأخرى فكانت من أشرف السفارات صفة، ذلك أن الخليفة أثنى لأخيه على سفيره بعبارات أغدق عليه فيها المديح. ولم يخص الخليفة الشعبى بفضله، فقد روى أن الشعبى صحب معه فى سفارته ثلاثين رجلًا آخرين من أسرته أجرى عليهم الخليفة جميعًا الرواتب. والظاهر أن الشعبى بعد أن