شهد الخليفة وهو على فراش الموت، قد رجع عقب وفاة عبد الملك إلى الكوفة وفيها أدركته المنية قبيل وفاة الحسن البصرى الذى توفى سنة ١١٠ هـ (٧٢٨ م). وهنا أيضًا تختلف روايات المصادر اختلافا كبيرًا, فقد ذكرت كل سنة ما بين سنتى ١٠٣ و ١١٠ هجرية تاريخًا لوفاته، والراجح أن سنة ١١٠ هى السنة الصحيحة.
أما من حيث مظهره الشخصى، فقد كان الشعبى رجلًا ضئيلا نحيفا، وقد قال هو نفسه أن السبب فى ذلك يرجع إلى أنه ولد توأما. ولا شك أن كفاياته العقلية كانت عظيمة، كما أنه كان يتميز بروح الفكاهة. وسئل الأعمش لم لا يقضى إلى الشعبى ليسمع منه الأحاديث فأجاب:"ويحك! كيف آتيه وهو إذا رآنى سخر بى ويقول: هذه هيئة عالم! ما هيئنك إلا هيئة حائك! " ولكن إبراهيم النخعى كان يستقبله بالإكرام والتجلة.
ويقال إن الشعبى ذكر أنه سمع الأحاديث من نيف وخمسمائة صحابى، ويتفق نقاد الحديث بصفة عامة على أن روايته للحديث أهل للثقة الكبيرة. ومن تلاميذه الكثيرين الفقيه العظيم أبو حنيفة، وكان الشعبى أقدم رجال سنده، وما من عجيب أن أبا يوسف أنبه تلاميذ أبى حنيفة فقد استشهد به ما لا يقل عن سبع وثلاثين مرة. والشواهد التى رويت عنه فى كتب الأحاديث الصحاح أكثر من أن تحصى. ولم يكن الشعبى نفسه يزعم أنه فقيه، ومع ذلك فقد جرى فقهاء الكوفه على الشخوص إليه التماسًا لرأيه. وقد قال هو نفسه:"إنا لسنا فقهاء، ولكنا سمعنا الحديث، فرويناه الفقهاء، من إذا علم عمل". وكان الشعبى من أشد المعارضين للأخذ بالرأى.
وقد ذكر كثيرون ممن ترجموا له إنكاره لقواعد الرأى. على أن الشعبى لم يزودنا بالمعلومات فى الأحاديث فحسب، ذلك أننا ندين له أيضًا بقدر كبير من المعارف التاريخية عن أيام الأمويين. ونظرة واحدة إلى فهرس تاريخ الطبرى كافية لأثبات ذلك. وقد قال الشعبى نفسه إنه يستطيع أن يمضى فى رواية الشعر شهر، دون أن يستنفد ما عنده من ذخيرة فى هذا الباب. ولم يؤلف الشعبى أى كتاب،