فيأتون عيسى فيقول لهم: اذهبوا إلى محمد (عليه الصلاة والسلام)، فيذهبون إليه فيستأذن على ربه فيؤذن له فإذا رأى ربه خرّ ساجدًا، فيدعه اللَّه ما شاء أن يدعه ثم يقول: ارفع محمدًا وقل تُسمع، واشفع تشفّع، وسل تعط -فيرفع رأسه ويثنى على ربه بثناء وتحميد يعلمه إياه، ثم يشفع، فيحد اللَّه له حدًا فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة، ثم يعود الثانية فيستأذن ويسجد للَّه ويثنى عليه كما فعل من قبل فيحد له حدًا فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة، ثم يعود الثالثة فيفعل كما فعل، ويحد اللَّه حدًا آخر فيخرجهم من النار حتى ما يبقى فى النار إلا من قد وجب عليه الخلود فيها (١). هذا الحديث فى رواياته المختلفة هو النص الذى يعتبر الحجة فى قصر الشفاعة على محمد عليه الصلاة والسلام دون سائر الأنبياء. وفى بعض الأحاديث تذكر الشفاعة بين عطايا أعطيت للنبى عليه الصلاة والسلام لم يعطهن أحد من الأنبياء قبله (البخارى: كتاب الصلاة، باب ٥٦).
وشفاعة محمد عليه الصلاة والسلام معترف بها بإجماع الأمة، وسند ذلك سورة الإسراء، الآية ٧٩:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، وسورة والضحى، الآية ٥:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}(تفسير الرازى، جـ ١، ص ٣٥١؛ وانظر مسلم: كتاب الإيمان الحديث ٣٢٠). ويروى أن النبى عليه الصلاة والسلام أتاه آت من ربه فخيّره بين أن يدخل نصف أمته الجنة وبين الشفاعة فاختار الشفاعة؛ ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام كان يرجو من ورائها ما هو أكثر (الترمذى، صفة القيامة والرقائق والورع؛ باب ١٣؛ ابن حنبل، جـ ٤، ص ٤٠٤).
وفى الأحاديث وصف حى جدًا لكيفية خروج "الجهنميين" من حالتهم المريعة. فبعضهم تكون النار قد أخذته إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، وبعضهم يكون فحما، فيلقون فى نهر فى أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فينبتون كما ينبت الحب فى حميل السيل ويخرجون أخيرًا كاللؤلؤ فى
(١) لخصنا الحديث عن أصوله العربية لا عن الترجمة. (المترجم)