الشهادة خصوصا أمام القضاء) حصل بتأثير جاد من جانب النصرانية (قارن كلمة ساهدا Saheda السريانية التى ترادف الكلمة اليونانية: الواردة فى العهد الجديد) والبحث الذى كتبه فنسنك عن الشهداء فى المشرق يثبت أن التطور الذى وقع فى النصرانية وفى الإسلام قد سار على غرار واحد حتى فى التفاصيل، وأن نظرية الشهداء فى هاتين الديانتين ترجع أخيرًا إلى تراث شرقى قديم يهودى وإلى آراء من العهد اليونانى المتأخر.
وقد نسى فيما بعد المعنى القديم لكلمة شهيد، وهو الشاهد فى الإسلام، إلى حد أننا نجد خطأ مطردًا فى تفسير أصل كلمة شهيد (من شهد بمعنى: رأى، عاين، حضر).
والقتيل الذى يطبع إيمانه بخاتم الموت فى محاربة الكفر شهيد فى كتب الحديث؛ وثمة أحاديث كثيرة تصور ضروب النعيم التى تنتظره فى الجنة، فهو لموته فى سبيل اللَّه ينجو من سؤال منكر ونكير فى القبر ولا يجوز البرزخ. والشهداء ينالون أعلى الدرجات فى الجنة، وهم يكونون فى أقرب مكان للعرش، وفى الحديث أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد رأى أجمل دار فى الجنة وهى دار الشهداء. وفى يوم القيامة ستكون الجراح التى أصابت الشهداء فى جهادهم فى سبيل اللَّه مضيئة. حمراء كالدم وستكون رائحتها كالمسك. ولا أحد من أهل الجنة يتمنى أن يعود إلى الدنيا إلا الشهيد، لأنه لما يناله من أنواع النعيم فى الجنة يتمنى لو يقتل فى سبيل اللَّه عشر مرات. والشهداء تغفر لهم كل ذنوبهم فلا يحتاجون لشفاعة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، بل هم فى الأحاديث يظهرون شفعاء لغيرهم من الناس. ونظرًا لأن الشهادة تطهرهم فإنهم وحدهم هم الذين لا يجوز تغسيلهم قبل دفنهم، وهذا رأى دخل فى الفقه (انظر كتاب Handbook of early Muhammadan Tradition: A.J.Wensinck تحت مادة Martyrs) .
وفى كتب الفقه عند الكلام عن الصلاة، نجد الكلام عن الشهيد بعد الكلام عن صلاة الجنازة، ولأصحاب المذاهب الفقهية اختلافات طريفة كل