أصبحوا ينظرون إلى كل من يلقى موتا عنيفا يثير مشاعرهم أسفا عليه أنه شهيد بل ولى أيضا، وكان من العوامل الكبيرة التى ساعدت على هذا التطور ما فى جمهور الناس من ميل قديم إلى تعظيم الأولياء بعامة وبهذا المعنى يعد من الشهداء مثلا من يموت فى أمراض مثل الطاعون، أو مرض ذات البطن وذات الجنب، وكذلك من يموت موتا عنيفا إذ يقضى من الجوع أو العطش أو الغرق، والهدم أو الحريق أو السم أو الصاعقة أو يقتله قطاع الطريق، أو تفترسه السباع وكذلك ذات الطلق (١)، ومن يموت وهو يؤدى فرضا من فروض الدين كالحج مثلا، ومن يموت غريبا بلا حبيب أو قريب أو فى سفر مما يعتبر سنة، أو فى زيارة قبر ولن أو شهيد أو عالم، أو فى الصلاة، أو بسبب دوام الوضوء، أو فى ليلة جمعة، أو فى طلب علم الدين، أو فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمام الظالمين، ومن عشق وعف وكتم سره مات شهيدًا؛ ومن مات فى مجاهدته لنفسه، أى فى الجهاد الأكبر، مات شهيدًا.
وقبر الشهيد يعد مشهدًا، ينال تعظيم الأتقياء ويصبح مزارا يحج إليه، وفيما يتعلق بكثير من هذه المشاهد يمكن إثبات أنها كانت أماكن عبادة قبل الإسلام، ثم بقيت من بعده على حالها، وهذه الناحية من بقاء مظاهر العصر القديم قد ألقى عليها فان بيرشم ضوءًا، بدراسته للنقوش. لكن الحكم الأخير لن يتيسر إلا بعد الكشف عن مادة جديدة. ومن الطريف تلك العبارة التى توجد على القبور منذ القرن الثالث للهجرة وهى:"هذا ما يشهد به وعليه". وربما كانت لهذه العبارة علاقة بالتسمية "مشهد" بوجه ما (هذا هو ما ذهب إليه Martin Hartmann فى مجلة Z.D.P.V مجلد ٢٦، ص ٢٦٥، راجع ما يقوله Ritter فى مجلة Islam، مجلد ١٢، ص (١٤٨ - ١٥٠) وإذا كان السلاطين يسمون فى النقوش باسم الشهداء فإن هذه الكلمة لا يكون لها هنا سوى معنى ليس له من المعنى الصحيح إلا ظله،