للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشريعة وحفظ النظام مكفولين تحت حكمهم. لكن التحذيرات الدائمة من حكام الدنيا، مع أنهم كانوا فى الواقع على مذهب أهل السنة، تلك التحذيرات التى لم تكن تأتى من جانب أهل الورع وحدهم، تدل على مقدار ما كان فى النفوس من قلة الرضا عن مثل هذه المبادئ.

وعلى هذا فإنه إذا لم تكن عند أهل السنة نظرية واضحة بمقدار ما كانت عندهم محاولة للتوفيق بين المثل الأعلى الدينى والواقع السياسى، فإنه قد ظهرت على جانبى جمهور الأمة الإسلامية نظريتان الأولى تطالب بالفصل الواضح بين المسألة الدستورية والمسألة الدينية (١)؛ والثانية تمزج بين الاثنين.

والنظرية الأولى، ولو أنه كان لها وجود من قبل، فهى إنما قد ظهرت على الملأ فى الفتنة الأولى (٢) التى قامت عند الخوارج الذين لم يجعلوا لمسألة نسب الخليفة شأنا دينيا إلى حد أنهم أجازوا أن يكون "عبدا حبشيا". أما الشيعة فإنهم جعلوا لمسألة الإمامة قيمة دينية، وكتبهم فى العقائد تشتمل على باب خاص يتمشى مع مضمون حديث يرونه هو: من مات جاهلا بالإمام الحق فى عصره مات كافرا.

وأقدم وقت قامت فيه الشيعة السياسية، وبعبارة أدق شيعة على هو منذ وفاة النبى عليه الصلاة والسلام، أما إذا أخذنا بروايات الشيعة، فإن الشيعة الأولى كانت تتألف من ثلاثة أشخاص هم: سلمان الفارسى وأبو ذر الغفارى والمقداد بن الأسود الكندى، فهؤلاء، فيما يدون الشيعة، كانوا هم وحدهم (وبعض الروايات تذكر أسماء


(١) يقصد كاتب المقال أن هذا هو رأى الخوارج، لكن تصوره للوضع هنا غير دقيق، فلا أهل السنة ولا الخوارج ولا الشيعة يفصلون بين المسألة الدينية والسياسية، بل الدين عندهم هو الأساس، وإنما كان الخلاف حول شخص الخليفة: هل يكون من قريش أو من أهل البيت أو من المسلمين بوجه عام. فكون الشيعة قد جعلوا مسألة الإمامة شيئا مهما لا يدل على أن أهل السنة لم يعتبروا الدين أمرا جوهريا. (المترجم)
(٢) يقصد الكاتب الحرب بن على ومعاوية. (المترجم).