الخلافة العباسية السنِّية. فكان من الطبيعى -وهو فى سبيل قضائه على المذهب الشيعي وإحياء المذهب السنى- أن يمنع الخطبة من الجامع الأزهر. وكان صلاح الدين قد قلد قاضى القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس الشافعى وظيفة القضاء، فعمل بمقتضى مذهب الإِمام الشافعى؛ وهو أنه لا يجوز إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد؛ فأبطل إقامة الجمعة بالجامع الأزهر، وأقرها بالجامع الحاكمى، بحجة أنه أوسع رحاباً.
وقد شيد صلاح الدين -تحقيقا لسياسته فى القضاء على المذهب الشيعي- مجموعة من المدارس السنية، ففي سنة ٥٦٦ هـ (١١٧٠ م) أنشأ -وهو وزير للخليفة العاضد الفاطمى- المدرسة الناصرية بجوار مسجد عمرو ابن العاص لتدريس الفقه الشافعى. وفى العام نفسه أنشأ على مقربة منها مدرسة لتدريس الفقه المالكي، عرفت بالمدرسة القمحية، نظراً لما كان يغدق على مدرسيها وطلابها من قمح تغله ضيعتها بالفيوم. وفى سنة ٥٧٢ هـ (١١٧٦ م) أنشأ صلاح الدين المدرسة الصلاحية بجوار مسجد الإِمام الشافعى لتدريس فقه الشافعية، والمدرسة السيوفية للفقهاء الحنفية. وتوالى إنشاء المدارس فى مصر والقاهرة على أيدى السلاطين والأمراء الأيوبيين، فأنشأ الملك العادل، أخو صلاح الدين، المدرسة العادلية للفقهاء المالكية، وأقام تقى الدين عمر المدرسة التقوية، المعروفة بمنازل العز؛ وأنشأ القاضى الفاضل المدرسة الفاضلية للشافعية والمالكية. وشيد السلطان الكامل، ابن العادل، مدرسة خصصت لتدريس علوم الحديث؛ وأقام السلطان الصالح نجم الدين أيوب المدرسة الصالحية لتدريس المذاهب السنية الاْربعة. وفى هذه المدارس الأيوبية جرى تدريس بعض العلوم المساعدة، مثل النحو والبلاغة وعلم الهيئة، إلى جانب الفقه والحديث والتفسير والقراءات وغيرها من العلوم الشرعية.
وقد نافست هذه المدارس الأيوبية الأزهر منافسة شديدة، واجتذبت إليها العلماء والأساتذة، لوفرة أوقافها، واستئثارها برعاية سلاطين بنى أيوب