فالزيدية، وهم أقرب ما يكون إلى أهل السنة، ينزعون فى مسألة ظهور الإله فى الأئمة نزعة عقلية من كل وجه، ويؤولون ذلك على معنى أنه مجرد الهداية والتوفيق، وهم ينكرون حلول النور الإلهى فى شخص معين من العلويين. أما استشهاد الأئمة فإنه اتخذ عندهم صبغة سياسية من حيث الجوهر، وهى المحاولات المستمرة المتجددة للوصول إلى الهدف، وهو استيلاء العلويين على الخلافة، وذلك فى آخر الأمر من طريق السيف وبعون اللَّه. وهم قد نجحوا فى مقاومة كثير من الآمال التى كانت تعلق على ظهور المهدى والتى ظهرت بينهم أيضا.
أما عند أهل الطرف الآخر من الشيعة فإن ظهور الإله قد اتخذ صورة الحلول المطلق. فالعنصر البشرى فى الإمام يتلاشى تماما، وأخيرا لا يبقى إلى جانبه محل للإله. والزيدية والإمامية الذين يمثلون المذهب الوسط يحاربون هؤلاء الشيعة الحلوليين حربا شعواء ويعتبرونهم غلاة (جمع غال) يسيئون إلى الشيعة، بل يعتبرونهم مارقين من الإسلام. أما عند الإمامية فالإمام إنسان، ولكن فيه جوهر نورانى إلهى دخل فيه من طريق حلول جزئى وموت الإمام عند الغلاة كالدروز مثلا، هو مجرد غيبة هذا الشخص المؤلَّه، وعندهم تصير قوة التدين سرورا بالموت. وهم عن قصد اعتقادى يؤولون أن هذا الموت اختيارى: هم يقولون إن اللَّه بعث إلى الحسين فى يوم كربلاء ملك النصر لكنه أحب لقاء اللَّه.
وعلى مر التاريخ لم يكن بدٌّ بحكم الضرورة من أن تنقسم كل فرقة من هذه الفرق الثلاث إلى شعب كثيرة، وذلك حول الأفكار الشيعية الخاصة بكل فرقة؛ ونشأت كثمرة لجهود الزيدية إمارات صغيرة فى طبرستان وبلاد الديلم منذ عام ٢٥٠ هـ (٨٦٤ م)، وفى بلاد اليمن منذ عام ٢٨٨ هـ (٩٠١ م)، وهذه الإمارات لم تستطع بسبب تباعدها أن تؤلف وحدة أو حتى ما يشبه الوحدة. وزيدية العراق الذين لم يستطيعوا قط أن يصلوا إلى الاستقلال السياسى، ونالوا العوض عن ذلك من طريق ما كان لهم من تأثير كبير فى دولة الخلفاء، كان لابد لهم فى كثير من الأحيان أن يسايروا الأحوال