أما اتجاه الغلاة الذى كان أشد الاتجاهات الشيعية بعدا فى مجاوزة القول بشئ يورث عن النبى محمد عليه الصلاة والسلام وهيأ أكبر مجال للنزعات التى تصدر عن الأفراد فإنه ظهر فى صور مختلفة فيما بينها اختلافا كبيرا، وذلك عند جماعات القرامطة والإسماعيلية والدروز وأخيرا عند جماعة النصيرية وجماعة على إلهى. وهنا ازداد تحرر الشيعة الغلاة من أشخاص آل البيت. وقد تجلى هذا بالفعل عند الكيسانية الذين لم يكن إمامهم، وهو محمد بن الحنفية، من أبناء النبى عليه الصلاة والسلام، وهو يتجلى أيضا فى حديث يروى عن النبى عليه الصلاة والسلام وهو قوله: سلمان الفارسى من أهل البيت؛ وهو فوق ذلك قد أدى مثلا فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) عند الحروفية إلى تنحية أئمة العلويين من طريق دعوى حلول الإله فى فضل اللَّه الإسترآباذى.
لكن الفكرة الأساسية عند الإمامية أيضا كانت تحمل فى ذاتها بذور الانقسام، ذلك أن الاتصال بين الإله والإنسان لا يتم فى نقطة تقاطع بل فى خط متصل، ولا يكون فى شخص منفرد بل فى سلسلة غير منقطعة من الأئمة المؤيدين بالوحى والذين يعين الأب منهم ابنه من بعده فى كل جيل؛ أو أنه فى قول آخرين: ينتقل العنصر الإلهى من الإمام إلى ابنه الأكبر مباشرة، إذا كانت أم هذا الابن أيضا من أهل البيت. لكن الولاء الدينى للإمام والتمسك به كان يبلغ أحيانا من القوة بحيث لا يستطيع الموالى له أن ينصرف عنه بعد أن يموت، أى أنه لم يكن يؤمن بأنه قد مات حقيقة، أو قد كان يحصل أن يكون خلف الإمام شخصا غير أهل للإمامة بالكلية أو أن يكون صبيا قاصرا، أو كان يحدث ألا يكون هناك إمام على الإطلاق، وهكذا نشأت فرق فرعية هى الواقفية والقطيعية أو القطعية. والأولون يترددون فى القول بموت الإمام، ولذلك يقفون عنده، ويرون فيه المهدى، والآخرون يقطعون