بل ان العلويين القدماء مثل جعفر الصادق وعلى الرضا لم يكونوا هم أنفسهم الزعماء الحقيقيين، بل كان ينوب عنهم سفراء ووكلاء، أو يزعمون أنهم ينوبون عنهم. وكان منصب الوكيل يصبح أعظم شأنا عند ما يكون الإمام غائبا، فهو عند ذلك يدعى أنه الوحيد الذى يعرف الإمام الغائب. وقد أفلح أربعة أشخاص منذ عام ٢٦٠ هـ (٨٧٣ م) فى أن يدّعوا ذلك لأنفسهم. ولما مات رابعهم، وهو على بن محمد السامرائى سنة ٣٣٤ هـ (٩٣٩) انتهت الغيبة المسماة الغيبة الصغرى، وأعقبها الغيبة الكبرى التى تمتد إلى أيامنا، والتى فيها تسقط فى زعم الشيعة صلاة الجمعة مثلا، لأن الذى يؤم الناس فيها هو الإمام. وقد تولى الزعامة أرستقراطيون روحيون كان بعضهم يستند فى دعواه وآرائه إلى ما يزعمه من لقاء عجيب مع "سيد الزمان" الغائب. صحيح أن عالم الدين فى فارس الحديثة يمكن أن يكون مجتهدا إلا أنه يظل فى كل الأمور الجوهرية كالعالم السنى مقيدا بما يقَنّنه أولئك الأرستقراطيون. وتدوين هذه القوانين قد أخرج إلى حيز الوجود على طريقة الإسلاميين عددا كبيرا من المصنفات فى نقد الرواة والعلماء الذين كتبوا الكتب. وأولئك الأرستقراطيون الروحيون كانوا أشبه بهيئة رقابة دينية قبل أن يستحدث الصفويون لدولتهم الدينية شيخ إسلام. بزمان طويل.
وقد انفتحت أمام الشيعة آفاق الآمال السياسية بفضل ظهور السامانيين الذين كانوا متسامحين وإن لم يكونوا هم أنفسهم شيعيين، وبخاصة منذ فتح خراسان على يد إسماعيل سنة ٢٩٠ هـ (٩٠٣ م). وكذلك بفضل سعة صدر الحمدانيين أصحاب الموصل منذ سنة ٣١٧ هـ (٩٢٩ م). فلما دخل معز الدولة: أحمد البويهى الشيعى بغداد سنة ٣٣٤ هـ (٩٤٥ م) كان ذلك بداية عهد مجيد للشيعة الذين كانوا منذ عهد طويل يقيمون فى هذه القصبة، ويسكنون حى الكرخ برمته مثلا.
وقد اقترن هذا التوطد لمركزهم من الخارج بتوطد آخر فى الداخل. فظهرت مجموعات الحديث الصحيحة المسماة "الكتب الأربعة"، وهى: