فالإمام الأول قد ورث علوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهو ليس شخصًا عاديًا بل هو فوق الناس لأنه معصوم من الخطأ.
وهناك نوعان من العلم: علم الظاهر وعلم الباطن، وقد علَّم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هذين النوعين لعلىّ، فكان يعلم باطن القرآن وظاهره، وأطلعه على أسرار الكون وخفايا المغيبات؛ وكل إمام ورّث هذه الثروة العلمية لمن بعده، وكل إمام يعلم الناس فى وقته ما يستطيعون فهمه من الأسرار، ولذلك كان الإمام أكبر معلِّم. ولا يؤمنون بالعلم ولا بالحديث إلا إذا روى عن هؤلاء الأئمة.
وهم مختلفون اختلافًا كبيرًا فى الأئمة وتسلسلها، لا نطيل بذكرها (١). وأهم فرق الشيعة الزيدية والإمامية. فالزيدية أتباع زيد بن حسن بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب، ومذهبهم أعدل مذاهب الشيعة وأقربها إلى أهل السنة، ولعل هذا راجع إلى أن زيدًا -إمام الزيدية- تتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة، وأخذ عنه كثيرًا من تعاليمه؛ فزيد يرى جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، فقال: كان علىّ بن أبى طالب أفضل من أبى بكر وعمر، ولكن -مع هذا- إمامة أبى بكر وعمر صحيحة. ونظرهم إلى الإمام كذلك نظر معتدل، فليست هناك إمامة بالنص، ولم ينزل وحى يعين الأئمة، بل كل فاطمى عالم زاهد شجاع سخى قادر على القتال فى سبيل الحق يخرج للمطالبة يصح أن يكون إمامًا؛ فهو يشترط فى الإمام الخروج على الأمراء والسلاطين يطالب بالخلافة، ولهذا كانت الإمامة فى نظرهم عملية لا سلبية، كما هى عند الإمامية تنتهى بالإمام المختفى، وهم لا يؤمنون بالخرافات التى أُلصقت بالإمام فجعلت له جزءًا إلهيًا. وقد خرج زيد على هشام بن عبد الملك الخليفة الأموى فقتل وصلب سنة ١٢١ هـ، وخرج بعده ابنه يحيى فقتل كذلك سنة ١٢٥ هـ، ولا يزال الزيدية فى اليمن إلى الآن.
والإمامية سموا كذلك لأن أهم عقائدهم أسست حول الإمام، وقد قالوا بأن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] نص على خلافة علىّ، وقد اغتصبها أبو بكر وعمر، وتبرأوا
(١) انظرها فى الملل والنحل للشهرستانى ومقدمة ابن خلدون.