ولذلك نقل الفرنجة هؤلاء الأسرى إلى عكا وقتلوهم هناك، ومن ثم سارت جيوش الفرنجة وإسماعيل فى حملة على أيوب؛ والتقى الجيشان فى موضع بين غزة وعسقلان، بيد أن جيش المسلمين انضم إلى أيوب فلحقت الهزيمة بجيش الفرنجة، وخسر كثيرا من الأسرى فاستخدموا فى إقامة العمائر بجزيرة الروضة فى القاهرة، على أن هؤلاء الأسرى أطلق سراحهم بمقتضى معاهدة صلح أبرمت فى السنة نفسها، وكانت المعاهدة مرضية للفرنجة إلى حد كبير، فقد سمح لهم بأن يحتفظوا بأملاكهم فى فلسطين والشام.
وظل أيوب بضع السنوات التالية بعيدًا عن الشام، على حين نشب قتال ضيق النطاق بين داود والفرنجة، اتسم بالقسوة البالغة؛ وفى سنة ٦٤١ هـ (١٢٤٣ م) كانت المفاوضات تجرى بين أيوب وإسماعيل، وكان من مقتضى هذه المفاوضات أن يفك إسماعيل إسار الملك المغيث بن أيوب، وأن ينادى بأيوب سلطانًا فى خطبة الجمعة، غير أن المفاوضات فشلت عندما علم إسماعيل أن أيوب يحرض الخوارزمية عليه سرًا، وقبل أن ينصرم هذا العام، كان إسماعيل وداود قد عقدا حلفًا وثيقا مع الفرنجة، وتنازلا لهم عن أجزاء كبيرة من فلسطين وبيت المقدس والأراضى الإسلامية المقدسة هناك. وكتب على داود، عدو النصارى اللدود، أن يسمع القداس يتلى فى قبة الصخرة والأجراس تقرع فى الجامع الأقصى. واستنجد أيوب بالخوارزمية ليعينوه على هؤلاء الحلفاء فجاءوا فى العام التالى (٦٤٢ هـ) واحتلوا بيت المقدس إلى حين وأشاعوا فى ربوعه أبشع الدمار؛ وأنفذ أيوب جيشًا من القاهرة لمعاونة الخوارزمية، وأنفذ اسماعيل بدوره جيشًا إلى الفرنجة انضم إلى صفوفهم، والتقى الجيشان فى غزة فى موقعة رهيبة أحرز فيها الخوارزمية والمصريون نصرًا مبينا. وكانت غنائم الخوارزمية مما لا يحصيه العد، واستطاع الجيش المصرى إثر هذا النصر أن يفتح بيت المقدس وفلسطين مرة أخرى، وبقيتا فى أيدى المسلمين حتى سنة ١٩١٨، ولقد استطاع داود أن يحتفظ بالكرك والصلت وعجلون،