وحاصر المصريون دمشق، بيد أنها ثبتت لحصارهم طويلا، ولم يستسلم إسماعيل إلا فى السنة التالية (٦٤٣ هـ = ١٢٤٥ م)، وسلم دمشق واقتصر على بعلبك وبصرى والنواحى التابعة لهما، وانتظر الخوارزمية أن يجزل لهم العطاء لقاء هذه الانتصارات، إلا أن ما استولوا عليه لم يرضهم، فدخلوا فى خدمة إسماعيل وداود وحاصروا دمشق باسمهما، وكان يدافع عنها قائد من قواد أيوب ظل صامدًا حتى مستهل سنة ٦٤٤ هـ (١٢٤٦ م). وأراد أميرا حلب وحمص أن يضعا حدا لإرهاب الخوارزمية، ولم يكونا يعطفان فى ذلك الحين على أيوب إلا عطفا قليلًا، فأنفذا جيشهما فى حملة على الخوارزمية، ومن ثم أضطروا إلى رفع الحصار والمضى للقاء جيش حلب، وفى وقعة قصب، منى الخوارزمية بهزيمة منكرة، فقد قتل أحد قوادهم، ولاذ آخر بأذيال الفرار. ولجأ إسماعيل إلى حلب ونعم بحماية واليها: يوسف الثانى، إلا أنه خسر بعلبك التى استولى عليها أيوب، واخذ أبناؤه وزوجاته إلى مصر أسرى.
وكذلك حرم داود جميع ممتلكاته فيما عدا الكرك، ولجأ هو أيضا إلى حلب، ونصب ابنه نائبا عنه، وكان والى حلب لا يثق أبدا بأيوب، فحاول أن يؤمن نفسه من أية حملة قد يشنها أيوب بحمل الأشراف على أن يسلمه حمص سنة ٦٤٦ هـ (١٢٤٨ م) بعد أن حاصر المدينة شهرين.
واستبد الغيظ بأيوب فشخص إلى دمشق ليقاتل يوسف الثانى، وأنفذ أحد قواده إلى حمص لينتزع المدينة من الأشرف. وعند بلوغه دمشق علم بوصول الصليبيين الذين كان لويس التاسع قد قادهم فى حملة على دمياط، ودعاه هذا إلى أن يعقد معاهدة صلح فى الحال مع يوسف موسطا فى ذلك الخليفة، وبالرغم من اشتداد وطأة المرض عليه، فقد شرع فى العودة محمولا على محفة، وبلغ الأشمونين بعد ذلك بقليل. ولم يستطع أن يحول بين الصليبيين وبين النزول إلى البر والاستيلاء على دمياط، ذلك أن الفساد كان قد بدأ يتطرق إلى النظام فى جيشه بسبب مرضه، وهربت قبيلة كنانة