الأمر كان على نقيض ذلك إذ أن حكومة حلب كانت تفاوض الفرنجة سرًا.
وصح عزم صلاح الدين على الحرب، فاستولى حماة وحمص، وفى جمادى الآخرة سنة ٥٧٠ هـ (أواخر سنة ١١٧٤ م) شرع يحاصر حلب، ولكن الغازى استنجد بكمشتكين بوصفه حليف إسماعيل فأنفذ كمشتكين جيشًا انضم إلى جيش حلب وتقدم صوب حماة وهدد مؤخرة صلاح الدين؛ ولكن إسماعيل الذى لا تنكر عليه التحلى ببعض المواهب الطبيعية، استحلف أهل البلاد أن يدفعوا عنه، وهو اليتيم، ما وسعهم الدفاع بحق ما كان لأبيه من أفضال عليهم، وتأثر أهل حلب بندائه فدافعوا عن المدينة بشن الهجمات لفك الحصار وثبتوا فى القتال هذه المرة وفى مرات أخرى من بعد. والحق أن أهل حلب تميزوا دون أبناء الشام بأنهم أظهروا فى كثير من الأحيان شعورًا بالاستقلال وشيئا من الاعتزاز بانتسابهم إلى هذه المدينة. وأبدى كمشتكين، قائد حلب، فى قتاله صلاح الدين من البسالة قدر ما أبداه من انعدام الضمير، حتى أنه طلب من سنان، زعيم الحشاشين أن يبعث إليه بسفاحيه المشهورين ليجهزوا على صلاح الدين، إلا أنهم لم يفلحوا فى اغتياله ولقوا حتفهم فى هذه المحاولة. ولم يقف كمشتكين عند هذا الحد بل اشتط فأطلق سراح الكونت رايموند أمير طرابلس، وكان سجينًا فى حلب، وحرضه على مهاجمة حمص؛ وفى هذا الموقف العصيب أعلن صلاح الدين أنه على استعداد لتسليم حمص وحماة بشرط أن يسمح له بالاحتفاظ بدمشق بوصفه واليًا عليه من قبل إسماعيل، وبلغ من حماقة الغازى أنه رفض هذا العرض، إذ كان يعتمد على أخيه عماد الدين زنكى الثانى فى مده بالمعونة، ولكن عماد الدين لم يهبّ إلى نجدته لأنه كان على صلة طيبة بصلاح الدين، والتقى جيش صلاح الدين وخصومه فى حماه، وانتصر انتصارًا مبينًا قرر مصير الشام، وحاصر حلب للمرة الثانية، وشدد عليها النكير هذه المرة وحمل إسماعيل على عقد الصلح فى شهر شوال سنة ٥٧٠ هـ (١١٧٥ م) واحتفظ بحماة وحمص ودمشق وبعض