البلاد الكبيرة الأخرى، ولم يبق لإسماعيل إلّا حلب، وكان لهذا النصر شأنه العظيم، فقد أعلن صلاح الدين استقلاله عن إسماعيل وأسقط اسم إسماعيل من خطبة الجمعة ومن السكة؛ ولم ينقض على ذلك وقت طويل حتى وصل مبعوث من الخليفة العباسى المستضئ إلى حماة وقدم إلى صلاح الدين براءة السلطنة على مصر والشام وكسوة من كسى التشريف المألوفة؛ وفى السنة التالية (٥٧١) نشب القتال بين صلاح الدين والأمراء من بنى زنكى، وعلى إثره حاصر صلاح الدين حلب مرة أخرى، وكان ذلك فى ذى الحجة من السنة نفسها، ولكن حامية المدينة وأهلها المدنيين دافعوا عن أنفسهم دفاعا غاية فى إلبسالة حتى أكره على الانسحاب وعقد صلحًا نهائيًا فى مستهل سنة ٥٧٢ هـ (يوليه ١١٧٥ م) أيّد به نصوص المعاهدة التى عقدت من قبل، على أنه حدث بعد ذلك بوقت قليل أن تنازل صلاح الدين لإسماعيل عن قلعة عزاز بناء على طلب أخته الصغيرة.
ومن ثم استتب السلام بين صلاح الدين وإسماعيل، بل إن مصدرًا من المصادر يقول إن صلاح الدين كان قد انتوى معاونة إسماعيل على أن يسترد ما كان له من سلطان كبير لولا أن مماليكه أثنوه عن عزمه هذا. ويبدو أن إسماعيل رضى كل الرضا عن تثبيته فى ملك حلب؛ ومن حملاته العسكرية الأخرى التى تستحق الذكر حملة شنها على أرض جبل السُّمَّاق (غربى حلب، انظر ياقوت: المعجم، طبعة فستنفلد، جـ ٢، ص ٢١) سنة ٥٧٢ هـ (١١٧٥ م)، وكان أهلها قد رغبوا فى الانضمام إلى سنان، "شيخ الجبل"؛ وحصار حارم التى لم ير بدًا من انتزاعها من كمشتكين، الذى ظل مدة طويلة لا يثق فيه، وكان كمشتكين قد اتهم بأنه أخرج ثروته من حلب وأنه فاوض الفرنجة فى تسليم حارم، ومن ثمّ أمر إسماعيل بالقبض عليه وقتله بعد ذلك بقليل سنة ٥٧٣ هـ (١١٧٦ م)، ولكن الفرنجة، احترامًا منهم للمعاهدة المعقودة بينهم وبين كمشتكين، تقدموا صوب حارم سنة ٥٧٤ هـ وضيقوا الخناق على أهلها تضييقًا شديدًا. فاستنجد هؤلاء