بشكور (سورة إبراهيم، الآية ٥ وما بعدها)، ومن ثم يقول الطبرى فى تفسيره:"نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر". وجاء فى مسلم (كتاب الزهد، حديث ٦٤): "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبَر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبَر فكان خيرًا له". وفكرتا الصبر والشكر مقترنتان أيضًا عند الغزالى (انظر ما يلى).
وكذلك انعكس التطور المتأخر لمفهوم الصبر فى تفاسير القرآن بطبيعة الحال. ومن العسير أن نقول إلى أى حد تحتمل لغة القرآن هذه التفاسير. ومهما يكن من شئ فإن مفهوم الصبر بكل ما يتضمنه من معان هو فى جوهره يرجع إلى التفكير اليونانى المتأخر، ويشمل فكرة السكون عند الرواقيين، وهى صبر النصارى، وقمع النفس والعزوف عن الدنيا المأثورين عن الزهاد (انظر ما يلى). وحسبنا أن نذكر من أقوال المفسرين الآخرين الكثيرين قول فخر الدين الرازى (مفاتيح الغيب، القاهرة ١٢٧٨ هـ. تفسير الآية ٢٠٠ من سورة آل عمران)؛ فهو يفرق بين ثلاثة أنواع من الصبر:(١) الصبر على مشقة النظر والاستدلال فى معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وعلى مشقة استنباط الجواب عن شبهات المخالفين. (٢) الصبر على مشقة أداء الواجبات والمندوبات. (٣) الصبر على مشقة الاحتراز عن المنهيات. (٤) الصبر على شدائد الدنيا وآفاتها. . الخ؛ وأما المصابرة فهى عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بين المرء وبين الغير (ويدخل فى ذلك الجيران وأهل البيت)، وترك الانتقام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. . الخ.
ونتبين أيضا مبلغ الفضل الذى ينسب للصبر من إدخال صفة الصبور ضمن أسماء اللَّه الحسنى. ويقول صاحب لسان العرب (مادة صبر): "الصبور تعالى وتقدس هو الذى لا يعاجل العصاة بالانتقام. . . ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما