وكان الصقالبة فى الأندلس، شأنهم شأن القضاة فى الدولة الرومانية والأرقاء فى تاريخ متأخر بمراكش أيام الأسر الشريفية، يسهمون بنصيب بارز فى السياسة يتناسب وازدياد عددهم واحتلالهم مكانة أكثر خطرًا فى المجتمع الأندلسى، ونجدهم أول ما نجدهم قد تولوا المناصب المدنية الرفيعة فى الدولة بل مناصب القيادة العسكرية فى عهد عبد الرحمن الثالث؛ وكان الخليفة يستخدمهم فى الحد من شوكة النفوذ الذى كان لأشراف العرب فى دولته ومقاومة هذا النفوذ، ومن ثم لم يتردد، بالرغم من السخط الذى ساد بلاطه، فى أن يعهد إلى نجدة الصقلبى سنة ٩٣٩ بقيادة الحملة التى سيرها على ملك ليون، تلك الحملة التى انتهت نهاية مشؤومة بنكبتى سيمانقاس Simancas والخندق Alhandega ومطاردة جيوش راميرو الثانى وحلفائه من مملكة نبرة (نافار) لجيش المسلمين.
ولم يكن الدور الذى سمح الحكم الثانى خليفة عبد الرحمن الثالث للصقالبة بأن يتولوه فى مملكته ليقل شأنًا عن الدور الذى سمح لهم به عبد الرحمن الثالث، بل إن استخفافه بعجرفتهم التى أخذت تزداد شيئًا فشيئًا بل عدم مبالاته بسلوكهم المتسم بالقحة كان من الوضوح بحيث أثار دهشة الإخباريين فى عهد هذا الأمير المتنور. وقد أحس الصقالبة عند وفاته بأنهم سادة الموقف. ويقول صاحب كتاب "البيان المغرب" إنه كان فى القصر وقتئذ أكثر من ألف مجبوب، وكان فى قرطبة فرقة من الحرس الصقالبة رهن مشيئة رجلين من أكابر الأعيان هما: فائق النظامى صاحب البرد والطراز ويليه صاحبه جوذر صاحب الصاغة والبيازرة؛ وقد تكتم هذان الخصيان الصقلبيان نبأ وفاة الحكم وحاولا الوقوف دون المناداة بوريث العرش خليفة، وكان بعد طفلا رضيعًا، ولكن الوزيرين المصحفى وابن أبى عامر قاوماهما فى ذلك، ثم ازدادت شهرتهما بما أنزلاه بهما من عقاب.
ولن يتسع لى المجال بأن أفصل الكلام عن النصيب الذى أسهم به الصقالبة خلال ذلك العهد كله الذى