تاورمينيوم Tauromenium، وفى معابد سيلينوس، وفى قصائد ثيوقريطس Theocritus الرعوية، وحتى عندما طأطأت اليونان وقرطاجنة هامتيهما لرومة، كانت صقلية لا تزال تغذيها الروح الهيلينية، وكان نير رومة أمرا لا يصعب احتماله، ومع ذلك فإن عنصر العبيد فى الجزيرة كان كبيرا جدا، ويرجع بعض السبب فى هذا إلى تاريخ الجزيرة الفريد فى بابه وبعضه الآخر إلى حاجة رومة للقمح الذى تنبته حقولها، وأدى ذلك إلى نشوب الفتن فيها سنتى ١٣٢ و ١٠٢ ق. م. على أن رومة سقطت أمام الوندال والقوط، وقدِّر على صقلية أن تذوق مثلها بربرية أحدهما والتسامح غير المنتظر الذى اتسم به الآخر، على أنه ما لبث أن ظهر بليزاريوس Belisarius فأعاد إلى رومة قوتها وأيقظها من سباتها الذى راحت تغط فيه بعد تدهورها.
وفى هذه الأثناء كانت بلاد العرب تموج بحركة كبيرة، ولو أن هذه الحركة كانت تهدف إلى الدعوة الدينية، إلا أنها كانت فيضا من فيوض الأجناس وتصدع نهر من أنهار السلالات البشرية، وتوفى محمد عليه الصلاة والسلام سنة ٦٣٢ م، إلا أن حروبه السياسية الدينية استمرت، ففى الشام تغلغلت الجيوش الإسلامية تحت إمرة معاوية حتى بلغت الإسكندرية، وهناك سحقت أسطول الروم سنة ٦٥٢ وأصبحت السيادة البحرية للعرب، وفى السنة نفسها شن العرب هجومهم الأول على صقلية، ومع أن أحدًا من المؤرخين العرب لم يسجل شيئًا عن هذه الحملة إلا أنه تكفينا شهادة ثيوفانيس Theophanes، فقد دافع عن الجزيرة أوليمبيوس Olympius نائب العاهل الرومى (البوزنطى)، بيد أن المسلمين فازوا بغنائمهم وأبحروا إلى دمشق بسفن امتلأت بزاد عظيم من اللحم والدم والفضة والذهب، وعادوا ليذوقوا أطايب سراقوسة التى أعملوا فيها يد العنف، على أن هذه الحملات لم تكن إلا جهودا فردية من فيض القوة العسكرية، لم تتسم بأية صبغة حاسمة أو يظهر فيها أى طابع سياسى.